عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ جَرْعَةً، ثُمَّ قَطَعَ، ثُمَّ سَمَّى، ثُمَّ جَرَعَ، ثُمَّ قَطَعَ، ثُمَّ سَمَّى الثَّالِثَةَ، ثُمَّ جَرَعَ، ثُمَّ مَضَى فِيهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ، فَلَمَّا شَرِبَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ» .
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ شَرَابًا قَطُّ إلَّا تَنَفَّسَ فِيهِ ثَلَاثًا كُلُّهَا يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ» . .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ، وَالْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ بِثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى فِي أَوَّلِهَا إذَا أَدْنَى الْإِنَاءَ مِنْ فِيهِ وَيَحْمَدُهُ فِي آخِرِهَا إذَا أَخَّرَهُ» .
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَك الِاقْتِدَاءُ بِمَعْدِنِ التَّقْوَى وَيَنْبُوعِ الْهُدَى، وَلَا تَشْرَبْ كَشُرْبِ الْبَعِيرِ، بَلْ تَنَفَّسْ خَارِجَ الْإِنَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، هَذَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ الْمَسْنُونُ.
وَصِفَةُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّق أَنْ تَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَتَشْرَبَ، ثُمَّ تُبِينَ الْإِنَاءَ عَنْ فِيك وَتَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَتَتَنَفَّسَ خَارِجَهُ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ تَفْعَلَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ كَذَلِكَ. إلَّا أَنَّ الشُّرْبَ فِي النَّفَسِ الْأَوَّلِ يَكُونُ أَقَلَّ مِمَّا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَبْخِرَةَ تَتَصَاعَدُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِمَّا بَعْدَهُ.
قَالَ السَّامِرِيُّ: بِسْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ كُلِّ ابْتِدَاءٍ يَعْنِي الشَّارِبَ، وَيَحْمَدَهُ عِنْدَ كُلِّ قَطْعٍ انْتَهَى. .
(تَتِمَّةٌ)
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ: وَلَا يَشْرَبْ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الطَّعَامِ، فَإِنَّهُ أَجْوَدُ فِي الطِّبِّ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَ ثَمَّ عَادَةٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ فِي تَدْبِيرِ الشُّرْبِ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْرَبَ مَاءً عَلَى الْمَائِدَةِ وَلَا عَلَى الرِّيقِ، وَلَا بَعْدَ الْأَكْلِ إلَّا أَنْ يَخِفَّ أَعَالِي الْبَطْنِ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَسْكُنُ بِهِ الْعَطَشُ. وَلَا يُرْوَى مِنْهُ رِيًّا وَاسِعًا. وَلَا يَصْلُحُ شُرْبُ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرِّيقِ إلَّا لِمَنْ بِهِ الْتِهَابٌ شَدِيدٌ.
وَيَتَوَقَّى الشُّرْبَ مِنْ الْمَاءِ وَالتَّكْثِيرَ مِنْهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً عَقِبَ الْحَمَّامِ، وَالْجِمَاعِ، وَالْحَرَكَةِ الْعَنِيفَةِ. وَيَتَجَرَّعُ قَلِيلًا قَلِيلًا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ إلَى أَنْ يَبْطُلَ ذَلِكَ