أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَصَحَّحَ حَدِيثَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ وَمُخْتَلَفٌ فِي ثُبُوتِهِ
، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تَرْكُ الشُّرْبِ مِنْ الثُّلْمَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَمَالِ وَحُسْنِ الِامْتِثَالِ سِيَّمَا وَالرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا خَيْرَ فِيهِ. وَيُرْوَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ رَأَى مَنْ يَشْتَرِي حَاجَةً رَدِيئَةً فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ أَمَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ نَزَعَ الْبَرَكَةَ مِنْ كُلِّ رَدِيءٍ. وَمِثْلُ الثُّلْمَةِ الشُّرْبُ مُحَاذِيًا لِلْعُرْوَةِ.
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَشْرَبُ مُحَاذِيًا لِلْعُرْوَةِ وَيَشْرَبُ مِمَّا يَلِيهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ هَذَا وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ ذَكَرَ أَدَبَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف: 71] وَاحِدُهَا كُوبٌ إنَاءٌ مُسْتَدِيرٌ لَا عُرْوَةَ لَهُ أَيْ لَا أُذُنَ لَهُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لِأَنَّ الْعُرْوَةَ تَرُدُّ الشَّارِبَ مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ. قُلْت: وَذَكَرَ فِي الْإِقْنَاعِ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ وَعِبَارَتُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ فِيهِ أَيْ الْإِنَاءِ وَأَنْ يَشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ وَثُلْمَةِ الْإِنَاءِ أَوْ مُحَاذِيًا لِلْعُرْوَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرَأْسِ الْإِنَاءِ انْتَهَى (وَانْظُرَنْ) فِعْلُ أَمْرٍ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ (فِيهِ) أَيْ الْإِنَاءِ الَّذِي تَشْرَبُ مِنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ قَذَاةٌ وَنَحْوُهَا (وَ) مُصَّ الْمَاءَ (مَصًّا) ، وَهُوَ الشُّرْبُ بِرِفْقٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: مَصِصْتُهُ بِالْكَسْرِ أَمُصُّهُ وَمَصَصْته أَمُصُّهُ كَخَصَصْتُهُ أَخُصُّهُ شَرِبْته شُرْبًا رَقِيقًا كَامْتَصَصْتهُ.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ الْمَاءَ مَصًّا وَلَا يَعُبَّهُ عَبًّا، فَإِنَّ مِنْهُ الْكُبَادَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ مِنْهُ أَيْ مِنْ الشُّرْبِ عَبَّا.، وَالْكُبَادُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ أَيْ وَجَعُ الْكَبِدِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالتَّجْرِبَةِ.، وَالْعَبُّ شُرْبُ الْمَاءِ جَرْعًا وَتَتَابُعُهُ وَكَرْعُهُ وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُصُّوا الْمَاءَ مَصًّا وَلَا تَعُبُّوهُ عَبًّا» الْعَبُّ الشُّرْبُ بِلَا تَنَفُّسٍ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الْكُبَادُ مِنْ الْعَبِّ»
قَالَ: وَالْكُبَادُ دَاءٌ يَعْرِضُ لِلْكَبِدِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْكُبَادُ مِنْ الْعَبِّ هُوَ بِالضَّمِّ وَجَعُ الْكَبِدِ وَالْعَبُّ شُرْبُ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ انْتَهَى. وَقَوْلُ النَّاظِمِ (تَزَرَّدِ) هُوَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ مِنْ الِازْدِرَادِ، وَهُوَ الْبَلْعُ أَيْ مُصَّ الْمَاءَ مَصًّا وَابْتَلِعْهُ