قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ: لِئَلَّا يَحْصُلَ الِامْتِلَاءُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ بِإِسْنَادِ فَخِذِهِ لِبَطْنِهِ لَا يَحْصُلُ تَمَامُ امْتِلَاءٍ لِعَدَمِ افْتِرَاشِ الْبَطْنِ، وَفِي الرِّعَايَةِ، أَوْ يَتَرَبَّعُ وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَنْ يَجْلِسَ مُفْتَرِشًا، وَإِنْ تَرَبَّعَ فَلَا بَأْسَ، وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: الْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَظُهُورِ قَدَمَيْهِ، أَوْ يَجْلِسَ وَيَنْصِبَ الرِّجْلَ الْيُمْنَى وَيَجْلِسَ عَلَى الْيُسْرَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: وَيُذْكَرُ عَنْهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَضَعُ بَطْنَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ الْيُمْنَى تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَأَدَبًا بَيْنَ يَدَيْهِ» قَالَ: وَهَذِهِ الْهَيْئَةُ أَنْفَعُ هَيْئَاتِ الْأَكْلِ وَأَفْضَلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تَكُونُ عَلَى وَضْعِهَا الطَّبِيعِيِّ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ انْتَهَى (وَبَسْمِلْ) أَمْرٌ مِنْ بَسْمَلَ يُبَسْمِلُ أَيْ قُلْ فِي ابْتِدَاءِ أَكْلِك وَشُرْبِك بِسْمِ اللَّهِ، وَفِي نُسْخَةٍ وَسَمِّ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ بَسْمَلَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ، وَقَالَ فِي الْمَطَالِعِ: قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعَالِبِيُّ فِي كِتَابِهِ فِقْهِ اللُّغَةِ: الْبَسْمَلَةُ حِكَايَةُ قَوْلِ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّبْحَلَةُ حِكَايَةُ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْهَيْلَلَةُ حِكَايَةُ قَوْلِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَالْحَوْقَلَةُ، وَالْحَوْلَقَة حِكَايَةُ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَالْحَمْدَلَةُ حِكَايَةُ قَوْلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْحَيْعَلَةُ حِكَايَةُ قَوْلِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَالطَّبْلَقَةُ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاكَ، وَالدَّمْعَزَةُ: أَدَامَ اللَّهُ عِزَّك، وَالْجَعْلَفَةُ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك انْتَهَى.
فَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ عِنْدَ إرَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ فِي الطَّعَامِ وَقَبْلَ أَنْ يَضَعَ الْإِنَاءَ عَلَى فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَهِيَ بَرَكَةُ الطَّعَامِ فَيَكْفِي الْقَلِيلُ بِهَا وَبِدُونِهَا لَا يَكْفِي كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا فَقَرَّبَ طَعَامًا فَلَمْ أَرَ طَعَامًا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ أَوَّلَ مَا أَكَلْنَا وَلَا أَقَلَّ بَرَكَةً فِي أَخِرِهِ فَقُلْنَا: كَيْفَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِأَنَّا ذَكَرْنَا اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَكَلْنَا، ثُمَّ قَعَدَ بَعْدَنَا مَنْ أَكَلَ وَلَمْ يُسَمِّ فَأَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَدُ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: لَوْ زَادَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ عِنْدَ الْأَكْلِ - يَعْنِي وَالشُّرْبِ - كَانَ حَسَنًا، فَإِنَّهُ أَكْمَلُ بِخِلَافِ الذَّبْحِ، فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ