السَّابِقِ لَمْ يَزَلْ مُنْزَعِجًا خَائِفًا خَوْفًا لَا يَمْلِكُ رَدَّهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَوْفَ إذَا أَفْرَطَ قَتَلَ، وَالْمَحْمُودُ مِنْهُ الْمُتَوَسِّطُ وَهُوَ الَّذِي يَقْمَعُ الشَّهَوَاتِ، وَيُكَدِّرُ اللَّذَّاتِ، وَيَكُفُّ الْجَوَارِحَ عَنْ الْمَعَاصِي وَيُلْزِمُهَا الطَّاعَةَ. وَقَدْ يَنْحُلُ الْبَدَنَ، وَيُذْهِبُ الْوَسَنَ، وَيَزِيدُ بِهِ الْبُكَاءُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: لَيْسَ الْخَائِفُ مَنْ بَكَى وَعَصَرَ عَيْنَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخَائِفُ مَنْ تَرَكَ مَا يُعَذَّبُ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الثَّوَابِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا يَتَحَاتُّ عَنْ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ وَرَقُهَا» .
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] تَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَخَرَّ فَتًى مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَوَضَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ فَإِذَا هُوَ يَتَحَرَّكُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا فَتَى قُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَهَا فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ بَيْنِنَا، فَقَالَ أَوَمَا سَمِعْتُمْ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 14] »
وَلِلْخَوْفِ مَنَاقِبُ وَمَآثِرُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهُوَ سَوْطٌ يَسُوقُ الْمُتَوَانِيَ، وَيُقَوِّمُ الْأَعْوَجَ، وَيَرُدُّ الشَّارِدَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. .
وَمِمَّا وَرَدَ فِي الرَّجَاءِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك مَا دَعَوْتنِي وَرَجَوْتنِي غَفَرْت لَك عَلَى مَا كَانَ مِنْك وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُك عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتنِي غَفَرْت لَك» .
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ كَيْفَ تَجِدُك؟ قَالَ أَرْجُو اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إلَّا