أَنَّهُ مَحَلُّ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَإِنَّمَا يَنْشَأُ ذَلِكَ مِنْ الْوَسَخِ الَّذِي يَجْتَمِعُ وَيَتَبَلَّدُ مَعَ الْعَرَقِ فَيَهِيجُ، فَشُرِعَ فِيهِ النَّتْفُ الَّذِي يُضَعِّفُهُ فَتُخَفَّفُ الرَّائِحَةُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الشَّعْرَ وَيُهَيِّجُهُ فَتَكْثُرُ الرَّائِحَةُ لِذَلِكَ، فَإِنْ شَقَّ النَّتْفُ حَلَقَهُ أَوْ تَنَوَّرَ كَمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ كَمَا فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ «أَنَّ مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَخَلَ فِيهِ شِفَاءٌ وَخَرَجَ مِنْهُ دَاءٌ» رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ.
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَقَدْ رَأَيْت هَذِهِ الْفَضِيلَةَ وَالِاسْتِحْبَابَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَلِّمَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرِهِ عَلِيًّا بِذَلِكَ، وَالْأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ يَوْمُ الْخَمِيسِ بَعْدَ الْعَصْرِ.
(وَ) اقْصِدْ (حَلْقًا) أَيْ الْحَلْقَ لِلْعَانَةِ (وَلِلتَّنْوِيرِ فِي الْعَانَةِ) وَهُوَ الِاسْتِحْدَادُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. (أَقْصِدْ) فِعْلُ أَمْرِ قَصَدَ، وَحُرِّك بِالْكَسْرِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ لِلْقَافِيَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ وَلَهُ قَصُّهُ وَإِزَالَتُهُ بِمَا شَاءَ، وَالتَّنْوِيرُ فِي الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ وَقَدْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ قَتَادَةَ قَالَ مَا أَطْلَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَفِي الْغَنِيمَةِ: وَيَجُوزُ حَلْقُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إزَالَتُهُ كَالنُّورَةِ وَإِنْ ذُكِرَ خَبَرٌ بِالْمَنْعِ حُمِلَ عَلَى التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ. وَكَرِهَ الْآمِدِيُّ كَثْرَةَ التَّنْوِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ وَرُبَّمَا أَشْعَرَ نِظَامُهُ بِأَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنْ التَّنْوِيرِ لِتَقْدِيمِهِ لَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
(فَائِدَتَانِ: الْأُولَى) يُسَنُّ أَنْ لَا يَحِيفَ عَلَى الْأَظْفَارِ فِي التَّقْلِيمِ فِي الْغَزْوِ وَالسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى نَحْوِ حَلِّ حَبْلٍ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: قَالَ الْإِمَامُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَفِّرُوا الْأَظْفَارَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ سِلَاحٌ، وَقَالَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا نُحْفِيَ الْأَظْفَارَ فِي الْجِهَادِ» وَفِي مَعْنَاهُ السَّفَرُ. وَأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ كُلَّ أُسْبُوعٍ نَدْبًا.
وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ سِنْدِيٍّ: حَلْقُ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ كَمْ