الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْغُنْيَةِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا يَحْرُمُ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي يَحْرُمُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ: فَإِنْ حَصَلَ بِهِ تَدْلِيسٌ فِي بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ حَرُمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ، وَاسْتَحَبَّهُ فِي الْفُنُونِ بِالسَّوَادِ فِي الْحَرْبِ، وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ فَإِنَّهُ فِي بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ كَسَائِرِ التَّدْلِيسِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنَّهُ لَا يُكْرَهُ يَعْنِي الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ فِي الْحَرْبِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اخْضِبُوا بِالسَّوَادِ فَإِنَّهُ أُنْسٌ لِلزَّوْجَةِ وَمَكِيدَةٌ لِلْعَدُوِّ» قَالَ فِي الْآدَابِ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ.

وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّ الْمُحْتَسِبَ يَمْنَعُ مَنْ يُخَضِّبُ بِالسَّوَادِ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْآدَابِ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُسْتَحَبُّ خِضَابُ الشَّيْبِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِصُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ وَيَحْرُمُ بِالسَّوَادِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ.

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: تَرْكُ الْخِضَابِ أَفْضَلُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَآخَرُونَ يَخْضِبُونَ بِالصُّفْرَةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَخَضَّبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَبَعْضُهُمْ بِالزَّعْفَرَانِ، وَبَعْضُهُمْ بِالسَّوَادِ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ابْنَيْ عَلِيٍّ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، وَكَذَا ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي بُرْدَةَ وَآخَرِينَ. يُقَالُ: صَبَغَ يَصْبُغُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا. كَانَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ وَيَتَمَثَّلُ:

نُسَوِّدُ أَعْلَاهَا وَتَأْبَى أُصُولُهَا ... وَلَا خَيْرَ فِي أَعْلَى إذَا فَسَدَ الْأَصْلُ

وَكَانَ سَيِّدُنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - يُخَضِّبُ بِالسَّوَادِ وَيَتَمَثَّلُ:

نُسَوِّدُ أَعْلَاهَا وَتَأْبَى أُصُولَهَا ... فَيَا لَيْتَ مَا يُسَوَّدُ مِنْهَا هُوَ الْأَصْلُ

وَقَالَ آخَرُ:

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُسَوِّدُ شَيْبَهُ ... كَيْمَا يُعَدَّ بِهِ مِنْ الشُّبَّانِ

أَقْصِرْ فَلَوْ سَوَّدْتَ كُلَّ حَمَامَةٍ ... بَيْضَاءَ مَا عُدَّتْ مِنْ الْغِرْبَانِ

وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ جَعْفَرٍ السَّرَّاجِ الْحَنْبَلِيِّ صَاحِبِ كِتَابِ مَصَارِعِ الْعُشَّاقِ:

وَمُدَّعٍ شَرْخَ شَبَابٍ وَقَدْ ... عَمَّمَهُ الشَّيْبُ عَلَى وَفْرَتِهِ

يَخْضِبُ بِالْوَسْمَةِ عُثْنُونَهُ ... يَكْفِيه أَنْ يَكْذِبَ فِي لِحْيَتِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015