الثَّالِثُ) : ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَغْدَقَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ عَلَى ضَرِيحِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَنْ يُلْزِمَ الْوَلَدَ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يُرِيدُهَا، وَأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ لَا يَكُونُ عَاقًّا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَهُ بِأَكْلِ مَا يَنْفِرُ طَبْعُهُ عَنْهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَكْلِ مَا تَشْتَهِيه نَفْسُهُ كَانَ النِّكَاحُ بِذَلِكَ أَوْلَى، فَإِنَّ أَكْلَ الْمَكْرُوهِ مَرَارَةُ سَاعَةٍ، وَعِشْرَةُ الْمَكْرُوهِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى طُولٍ يُؤْذِي صَاحِبَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ فِرَاقُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(نَوَادِرُ) الْأُولَى فِي تَفْسِيرِ أَبِي السُّعُودِ «أَنَّ شَيْخًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ وَلَا يُنْفِقُ عَلَيَّ مِنْ مَالِهِ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا الشَّيْخَ قَالَ فِي وَلَدِهِ أَبْيَاتًا مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا، فَأَنْشَدَهَا فِي الْحَالِ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُرْوَى أَنَّ الْوَلَدَ جَاءَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاشْتَكَى عَلَى وَالِدِهِ بِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ، فَأَرْسَلَ خَلْفَهُ فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ قَدْ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ بِأَنَّهُ قَدْ قَالَ الْأَبْيَاتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ ابْنَك هَذَا يَزْعُمُ أَنَّك أَخَذْت مَالَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ سَلْهُ هَلْ أَنْفَقْته إلَّا عَلَى أَخَوَاتِهِ وَعَمَّاتِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيهِ دَعْنَا مِنْ هَذَا مَا أَبْيَاتٌ قُلْتهَا فِي نَفْسِك لَمْ تَسْمَعْهَا أُذُنَاك، فَقَالَ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَزَالُ اللَّهُ يُرِينَا مِنْك الْحَقَّ لَقَدْ قُلْتُ أَبْيَاتًا مَا سَمِعَتْهَا أُذُنَايَ، فَاسْتَنْشَدَهُ الْأَبْيَاتَ فَقَالَ قُلْت:
غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَصُنْتُك يَافِعًا ... تُعَلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْك وَتَنْهَلُ
إذَا لَيْلَةٌ ضَافَتْك بِالسُّقُمِ لَمْ أَبِتْ ... لِسُقُمِك إلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ
كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَك بِالْأَذَى ... طُرِقْت بِهِ دُونِي وَعَيْنِي تُهْمَلُ
تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْك وَإِنَّهَا ... لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْتٌ مُؤَجَّلُ
فَلَمَّا بَلَغْت السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي ... إلَيْهَا مَدَى مَا كُنْت فِيك أُؤَمِّلُ
جَعَلْت جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً ... كَأَنَّك أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ
فَلَيْتَك إذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي ... فَعَلْت كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ
فَأَوْلَيْتنِي حَقَّ الْجِوَارِ وَلَمْ تَكُنْ ... عَلَيَّ بِمَالِي دُونَ مَالِكَ تَبْخَلُ
فَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِابْنِهِ حِينَئِذٍ أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» .
(الثَّانِيَةُ) : قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ وَنُزْهَةِ الْمُشْتَاقِينَ: قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَتْ عَاتِكَةُ ابْنَةُ زَيْدٍ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي