لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يَنْهَاهُ أَبُوهُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ لَيْسَ لَهُ طَاعَتُهُ فِي الْفَرْضِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي التَّعْلِيقِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ فَقَدْ أُمِرَ بِطَاعَةِ أَبِيهِ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَتَرْكِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ نُدِبَ إلَى طَاعَةِ أَبِيهِ فِي تَرْكِ النَّفْلِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَطَاعَةً.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ يَصُومُ تَطَوُّعًا فَسَأَلَهُ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفْطِرَ لَهُ أَجْرُ الْبِرِّ وَالصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَهُ.
وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ يَأْمُرَانِهِ بِالتَّزْوِيجِ أَمَرْته أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ كَانَ شَابًّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَمَرْتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ. .
وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ: إنَّ لِلْوَالِدِ مَنْعَ الْوَلَدِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى. .
وَقَالَ فِي مَسْأَلَةٍ لَا يُجَاهِدُ مَنْ أَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا يَعْنِي تَطَوُّعًا وَأَنَّ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَأَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاسْتَدَلَّ بِعِدَّةِ أَحَادِيثَ ثُمَّ قَالَ: وَلِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ سَقَطَ إذْنُهُمَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ وَكَذَا كُلُّ مَا وَجَبَ كَالْحَجِّ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمَعِ وَالسَّفَرِ لِلْعِلْمِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ الْأَبَوَيْنِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ.
وَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ اعْتِبَارُ إذْنِهِمَا فِي التَّطَوُّعِ كَمَا نَقُولُهُ فِي الْجِهَادِ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَالْمَعْرُوفُ اخْتِصَاصُ الْجِهَادِ بِهَذَا الْحُكْمِ. قَالَ فِي الْآدَابِ. قَالَ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ لِمُسْتَحَبٍّ إلَّا بِإِذْنِهِ كَسَفَرِ الْجِهَادِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ كَالصَّلَاةِ النَّافِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُهُ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَعْتَبِرُهُ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّفَرِ مَا فِيهِ خَوْفٌ كَالْجِهَادِ مَعَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَمِثْلُهُ الدُّخُولُ فِيمَا يَخَافُ مِنْهُ فِي الْحَضَرِ كَإِطْفَاءِ حَرِيقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
(الْأَوَّلُ) : ظَاهِرُ النَّظْمِ وُجُوبُ طَاعَةِ الْوَالِدِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا.
وَقَالَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى. قَالَ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النَّظْمِ ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ