وَيُضَعِّفُهُ فِي نَحْوِ وَلَا سِيَّمَا زَيْدٌ حَذْفُ الْعَائِدِ الْمَرْفُوعِ مَعَ عَدَمِ الطُّولِ وَإِطْلَاقُ مَا عَلَى مَنْ يَعْقِلُ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَفَتْحَةُ شَيْءٍ إعْرَابٌ لِأَنَّهُ مُضَافٌ وَالنَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ كَمَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ بَعْدَ مِثْلِ نَحْوُ {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] وَمَا كَافَّةٌ عَنْ الْإِضَافَةِ، وَالْفَتْحَةُ فَتْحَةُ بِنَاءٍ مِثْلُهَا فِي لَا رَجُلَ. وَأَمَّا انْتِصَابُ الْمَعْرِفَةِ نَحْوُ وَلَا سِيَّمَا زَيْدًا فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ الدَّهَّانِ: لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا.
وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا: كَافَّةٌ وَلَا سِيَّمَا نُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ إلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُخَرَّجٌ وَمَا بَعْدَهُ دَاخِلٌ مِنْ بَابٍ أَوْلَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُخَرَّجٌ مِمَّا أَفْهَمَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ مِنْ مُسَاوَاتِهِ لِمَا قَبْلَهَا. وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا. انْتَهَى.
وَفِي لُغَةِ الْإِقْنَاعِ قَالَ ابْنُ يَعِيشَ: وَلَا يُسْتَثْنَى بِسِيَّمَا إلَّا وَمَعَهَا جَحْدٌ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَنْ قَالَهُ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الَّذِي جَاءَ بِهِ امْرُؤُ الْقَيْسِ فَقَدْ أَخْطَأَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ لَا سِيَّمَا تُسَاقُ لِتَرْجِيحِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا فَيَكُونُ كَالْمُخَرَّجِ عَنْ مُسَاوَاتِهِ إلَى التَّفْضِيلِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُسْتَثْنَى بِهَا إلَّا مَا يُرَادُ تَعْظِيمُهُ وَبَعْضُهُمْ يَسْتَثْنِي بِسِيَّمَا. انْتَهَى.
قُلْتُ وَقَدْ وَلِعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْأَرْجَحَ أَنْ يُقَالَ وَلَا سِيَّمَا بِالْوَاوِ وَلَا وَتَشْدِيدُ الْيَاءِ كَمَا فِي كَلَامِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَالنَّاظِمِ هُنَا، وَيُقَالُ لَا سِيَّمَا مِنْ غَيْرِ وَاوٍ بِالتَّشْدِيدِ وَعَدَمِهِ، وَيُقَالُ سِيَّمَا مِنْ غَيْرِ وَاوٍ وَلَا لَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ التَّشْدِيدِ يَجِيءُ فِي الثَّلَاثِ حَالَاتٍ وَأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(لِلْوَالِدِ) الْمَعْرُوفُ فِي الذِّهْنِ يَعْنِي جِنْسَ الْوَالِدِ فَيَشْمَلُ الْأُمَّ وَالْأَبَ وَإِنْ عَلَوْا (الْمُتَأَكِّدِ) فِي الْقُرْبِ وَالْمُسْتَحِقِّ لِلْبِرِّ، كَمَا أَخْبَرَ الرَّبُّ. فَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَعُقُوقُهُمَا مِنْ أَكْبَرِ الْمُوبِقَاتِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ وَالْآثَارِ الْمُسْنَدَاتِ. وَرَأَيْت فِي عِدَّةِ نُسَخٍ مَكَانَ هَذَا الْبَيْتِ بَدَلَهُ مَا لَفْظُهُ (وَإِنَّ عُقُوقَ) أَيْ إيذَاءَ (الْوَالِدَيْنِ) تَثْنِيَةُ وَالِدٍ، يُقَالُ عَقَّ وَالِدَهُ. يَعُقُّهُ عُقُوقًا فَهُوَ عَاقٌّ إذَا آذَاهُ وَعَصَاهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ وَهُوَ ضِدُّ الْبِرِّ بِهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَقِّ الَّذِي هُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ (كَبِيرَةٌ) الْكَبِيرَةُ مِنْ الذُّنُوبِ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ، وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَوْ نَفْيُ إيمَانٍ أَوْ لَعْنٌ مُبْعِدٌ.
وَفِي مَنْظُومَةِ الْكَبَائِرِ: