الطِّفْلَ الصَّغِيرَ، وَيَعْرِفَ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، مَعَ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَحُسْنِ التَّلَقِّي وَدَوَامِ الْبِشْرِ، وَلِينِ الْجَانِبِ، وَحُسْنِ الْمُصَاحَبَةِ، وَسُهُولَةِ الْكَلِمَةِ، مَعَ إصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِ إخْوَانِهِ، وَتَفَقُّدِ أَقْرَانِهِ وَأَخْدَانِهِ، وَأَنْ لَا يَسْمَعَ كَلَامَ النَّاسِ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، وَأَنْ يَبْذُلَ مَعْرُوفَهُ لَهُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا لِأَجْلِ غَرَضٍ مَعَ سَتْرِ عَوْرَاتِهِمْ، وَإِقَالَةِ عَثَرَاتِهِمْ، وَإِجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ. وَأَنْ لَا يَقِفَ مَوَاقِفَ التُّهَمِ. وَأَنْ يَحْلُمَ عَنْ مَنْ جَهِلَ عَلَيْهِ، وَيَعْفُوَ عَنْ مَنْ ظَلَمَ. وَأَنْ لَا يُجَالِسَ الْمَوْتَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْحُطَامِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ «إيَّاكُمْ وَمُجَالَسَةَ الْمَوْتَى، قِيلَ وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ الْأَغْنِيَاءُ. اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» وَلَا يُجَالِسُ إلَّا مَنْ يُفِيدُهُ فِي الدِّينِ، أَوْ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ الْمَعْرِفَةَ وَالتَّمْكِينَ. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، الْمَعْرُوفَةِ لِلْأَنَامِ، مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِنْعَامِ. .
(تَتِمَّةٌ)
رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إذَا سَمِعْتُمْ بِجَبَلٍ زَالَ مِنْ مَكَانِهِ فَصَدِّقُوا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَجُلٍ زَالَ عَنْ خُلُقِهِ فَلَا تُصَدِّقُوا بِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إلَى مَا جُبِلَ عَلَيْهِ» حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ وَهُوَ ثَابِتٌ إلَى الزُّهْرِيِّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُمْ الطَّبْعُ غَلَبَ التَّطَبُّعَ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِهِ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: دَخَلْت الْبَادِيَةَ فَإِذَا أَنَا بِعَجُوزٍ بَيْنَ يَدَيْهَا شَاةٌ مَقْتُولَةٌ وَجَرْوُ ذِئْبٍ مُقْعٍ، فَنَظَرْت إلَيْهَا، فَقَالَتْ أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ قُلْت لَا. قَالَتْ جَرْوُ ذِئْبٍ أَخَذْنَاهُ وَأَدْخَلْنَاهُ بَيْتَنَا، فَلَمَّا كَبِرَ قَتَلَ شَاتَنَا، وَقُلْت فِي ذَلِكَ. قُلْت مَا هُوَ؟ فَأَنْشَدَتْ:
بَقَرْت شُوَيْهَةً وَفَجَعْت قَوْمًا ... وَأَنْتَ لِشَاتِنَا ابْنٌ رَبِيبُ
غُذِيت بِدَرِّهَا وَرُبِّيتَ فِينَا ... فَمَنْ أَنْبَاكَ أَنَّ أَبَاك ذِيبُ
إذَا كَانَ الطِّبَاعُ طِبَاعَ سُوءٍ ... فَلَا أَدَبٌ يُفِيدُ وَلَا حَلِيبُ
وَيُشْبِهُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي آخِرِ شُعَبِ الْإِيمَانِ أَيْضًا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَّهُ سَأَلَ يُونُسَ بْنَ حَبِيبٍ عَنْ الْمَثَلِ الْمَشْهُورِ كَمُجِيرِ أُمِّ عَامِرٍ، فَقَالَ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّ قَوْمًا خَرَجُوا إلَى الصَّيْدِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ عَرَضَتْ لَهُمْ أُمُّ عَامِرٍ وَهِيَ الضَّبُعُ فَطَرَدُوهَا فَأَتْعَبَتْهُمْ فَأَلْجَئُوهَا إلَى خِبَاءِ أَعْرَابِيٍّ، فَاقْتَحَمَتْ، فَخَرَجَ إلَيْهِ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا صَيْدُنَا وَطَرِيدَتُنَا. قَالَ كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَصِلُونَ إلَيْهَا مَا ثَبَتَ قَائِمُ سَيْفِي