فَقُلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدُ قِتَالَهَا ... وَقُلْ لِثَقِيفٍ تِلْكَ عِيرِي أَوْعِدْ
فَمَا كُنْت فِي الْجَيْشِ الَّذِي نَالَ عَامِرًا ... وَمَا كَانَ عَنْ جَرْيِ لِسَانِي وَلَا يَدِي
قَبَائِلُ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ ... تُرَايِعُ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُوْدُدِ
» قَالَ فِي الْهَدْيِ، كَابْنِ إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٍ: «إنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا قَالَ: وَدَلَّنِي عَلَى اللَّهِ مَنْ طَرَدْته كُلَّ مُطْرَدِ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدْرَهُ وَقَالَ أَنْتَ طَرَدَتْنِي كُلَّ مُطْرَدِ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» .
قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَيُقَالُ إنَّهُ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْذُ أَسْلَمَ حَيَاءً مِنْهُ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّهُ وَشَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ. كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونَ خَلَفًا مِنْ حَمْزَةَ» .
وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَكَى عَلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَالَ: لَا تَبْكُوا عَلَيَّ فَمَا نَطَقْت بِخَطِيئَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْت. انْتَهَى.
وَحَلَّ عِنَاقٌ لِلْمُلَاقِي تَدَيُّنَا ... وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْفَمِ افْهَمْ أَوْ قَيِّدِ
(وَحَلَّ) لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَلَاقِينَ مِنْ سَفَرٍ (عِنَاقٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الِالْتِزَامُ. يُقَالُ: عَانَقَهُ إذَا جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى عُنُقِهِ وَضَمَّهُ إلَى نَفْسِهِ (لِ) لِشَخْصِ الْمُسْلِمِ (الْمُلَاقِي) غَيْرَهُ مِنْ سَفَرٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعِنَاقِ الْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ أَوْ الْمُقِيمِ لِلْقَادِمِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا لِغَيْرِ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ فَظَاهِرُ النَّظْمِ كَالْإِرْشَادِ لَا يُطْلَبُ.
قَالَ فِي الْإِرْشَادِ الْمُعَانَقَةُ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ حَسَنَةٌ. قَالَ الشَّيْخُ فَقَيَّدَهَا بِالْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ. وَأَطْلَقَ الْقَاضِي، وَالْمَنْصُوصُ فِي السَّفَرِ انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَادِمِ وَمُعَانَقَتُهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْمُعَانَقَةِ وَالْقِيَامِ: أَمَّا إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَلَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا إذَا كَانَ عَلَى التَّدَيُّنِ يُحِبُّهُ لِلَّهِ أَرْجُو لِحَدِيثِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا الْتَقَوْا صَافَحُوا بَعْضَهُمْ، فَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ عَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ «أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَانَقَهُ» ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَائِفَةٍ مِنْ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى جَاءَ سُوقَ