تَبِيتُ الْحَبَّةُ التَّنْضَاضُ مِنْهُ ... مَكَانَ الْحِبِّ يَسْتَمِعُ السِّرَارَا
أَرَادَ بِالْحِبِّ الْقُرْطَ. وَقِيلَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَبِّ جَمْعُ حَبَّةٍ وَهُوَ لُبَابُ الشَّيْءِ وَخَالِصُهُ وَأَصْلُهُ، فَإِنَّ الْحَبَّ أَصْلُ النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ. وَقِيلَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحُبِّ، وَهُوَ الْإِنَاءُ الْوَاسِعُ الْمَعْرُوفُ يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ فَيَمْتَلِئُ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ غَيْرَهُ، وَكَذَالِك قَلْبُ الْمُحِبِّ لَا يَسَعُ غَيْرَ مَحْبُوبِهِ. وَقِيلَ مِنْ الْحُبِّ، وَهُوَ الْخَشَبَاتُ الْأَرْبَعُ الَّتِي يَسْتَقِرُّ عَلَيْهَا مَا يُوضَعُ عَلَيْهَا مِنْ جَرَّةٍ وَغَيْرِهَا فَسُمِّيَ الْحُبُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحِبَّ يَتَحَمَّلُ لِأَجْلِ مَحْبُوبِهِ الْأَثْقَالَ كَمَا تَتَحَمَّلُ الْخَشَبَاتُ ثِقَلَ مَا يُوضَعُ عَلَيْهَا. وَقِيلَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَبَّةِ الْقَلْبِ وَهِيَ سُوَيْدَاؤُهُ، وَيُقَالُ ثَمَرَتُهُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِوُصُولِهَا إلَى حَبَّةِ الْقَلْبِ، وَفِيهَا لُغَتَانِ: حَبَّ وَأَحَبَّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمَحَبَّةِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ، فَقِيلَ هِيَ الْمَيْلُ الدَّائِمُ، بِالْقَلْبِ الْهَائِمِ.
وَقِيلَ إيثَارُ الْمَحْبُوبِ، عَلَى كُلِّ مَصْحُوبٍ.
وَقِيلَ مُوَافَقَةُ الْحَبِيبِ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ.
وَقِيلَ إقَامَةُ الْخِدْمَةِ، مَعَ الْقِيَامِ بِالْحُرْمَةِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ شَأْنَ الْمَحَبَّةِ عَظِيمٌ وَمَدَارُ حَرَكَاتِ الْعَالِمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ عَلَيْهَا.
وَقَدْ نَبَّهَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ السَّلَامَ مِنْ مُوجِبَاتِهَا.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» .
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَرْفُوعًا «مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ» وَقَالَ الشَّاعِرُ:
قَدْ يَمْكُثُ النَّاسُ دَهْرًا لَيْسَ بَيْنَهُمُو ... وُدٌّ فَيَزْرَعُهُ التَّسْلِيمُ وَاللُّطْفُ
وَقَوْلُ النَّاظِمِ (مِنْ النَّاسِ) مُتَعَلِّقٌ بِ {يُوجِبْ مَحَبَّةً} يَعْنِي يُوقِعْهَا وَيَغْرِسْهَا فِي قُلُوبِهِمْ لِلْخَبَرِ.
وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَعْرُوفًا) مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ (وَمَجْهُولًا) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ (اقْصِدْ) فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ وَحُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِلْقَافِيَّةِ، أَيْ اقْصِدْ بِسَلَامِك كُلَّ إنْسَانٍ سَوَاءٌ كَانَ مَعْرُوفًا لَك أَوْ مَجْهُولًا عِنْدَك لَا تَعْرِفُهُ.
وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ مِنْ التَّوَاضُعِ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى مَنْ لَقِيت.