وَكَتَبَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ لِلْمُغِيرَةِ وَقَدْ عَتَبَ عَلَيْهِ عَلَى بُطْءِ الْمُكَاتَبَةِ:
مَا غَيَّرَ النَّأْيُ وُدًّا كُنْت تَعْهَدُهُ ... وَلَا تَبَدَّلْت بَعْدَ الذِّكْرِ نِسْيَانَا
وَلَا حَمِدْت إخَاءً مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... إلَّا جَعَلَتْك فَوْقَ الْحَمْدِ عُنْوَانَا
(الْحَادِي عَشَرَ) ابْتِدَاءُ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ، مَعَ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ سُنَّةٌ وَرَدَّهُ وَاجِبٌ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي السُّنَّةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْفَرْضِ.
الثَّانِي: إنْظَارُ الْمُعْسِرِ فَرْضٌ وَإِبْرَاؤُهُ سُنَّةٌ وَهُوَ أَفْضَلُ.
الثَّالِثُ التَّطَهُّرُ قَبْلَ الْوَقْتِ سُنَّةٌ وَبِهِ يَجِبُ. وَقَدْ نَظَمَهَا الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فَقَالَ:
الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ عَابِدٍ ... حَتَّى وَلَوْ قَدْ جَاءَ مِنْهُ بِأَكْثَرِ
إلَّا التَّطَهُّرَ قَبْلَ وَقْتٍ وَابْتِدَا ... لِلسَّلَامِ كَذَاك إبْرَا الْمُعْسِرِ
وَزَادَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ الْخَلْوَتِيُّ الْخِتَانَ وَنَظَمَهُ فَقَالَ:
وَكَذَا خِتَانُ الْمَرْءِ قَبْلَ بُلُوغِهِ ... تَمِّمْ بِهِ عَقْدَ الْإِمَامِ الْمُكْثِرِ
(تَتِمَّةٌ) .
لَا يَجُوزُ بُدَاءَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالسَّلَامِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ وَجَبَ الرَّدُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ بِالْأَمْرِ بِالرَّدِّ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَصِفَةُ الرَّدِّ (وَعَلَيْك) أَوْ (وَعَلَيْكُمْ) بِحَذْفِ الْوَاوِ وَإِثْبَاتِهَا لِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَاخْتَارَ الْأَصْحَابُ إثْبَاتَ الْوَاوِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي مُوسَى مِنَّا وَابْنِ حُسَيْنٍ الْمَالِكِيِّ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّشْرِيكَ وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِالْحَذْفِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَوَاهُ عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ بِالْوَاوِ، وَقِيلَ: الْوَاوُ هُنَا لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ وَالتَّشْرِيكِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَعَلَيْكُمْ مَا تَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الذَّمِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ السَّامُّ عَلَيْكُمْ يَعْنِي الْمَوْتَ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْك، وَهِيَ الْحِجَارَةُ، فَيُقَالُ: وَعَلَيْك، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ قَالَ لَهُ رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُجْزِئُ تَسْلِيمُ امْرِئٍ مِنْ جَمَاعَةٍ ... وَرَدُّ فَتًى مِنْهُمْ عَلَى الْكُلِّ يَا عَدِيّ
(وَ) حَيْثُ عَلِمْت أَنَّ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ مِنْ الْجَمَاعَةِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَ (يُجْزِئُ تَسْلِيمٌ) أَيْ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ مِنْ (امْرِئٍ) حَيْثُ كَانَ الْمَرْءُ الْمُسَلِّمُ (مِنْ) جُمْلَةِ