الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمَ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيَقُولُ اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُكَرِّرُ ذَلِكَ ثَلَاثًا يَعْنِي قَوْلَهُ اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. الشَّحْنَاءُ الْعَدَاوَةُ كَأَنَّهُ شَحَنَ قَلْبَهُ بُغْضًا أَيْ مَلَأَهُ.
وَكَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَعُفِيَ عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ لِيَزُولَ ذَلِكَ الْعَارِضُ. وَقِيلَ إنَّ الْأَخْبَارَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْهَجْرِ فِي الثَّلَاثِ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِالْمَفْهُومِ: قَالَ فِي الْآدَابِ: وَيُتَوَجَّهُ أَوْ لِأَنَّ الْخَبَرَ فِي الْهَجْرِ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ انْتَهَى.
قُلْت: وَقَدْ وَرَدَ مِنْ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُبْطِلُ التَّأْوِيلَيْنِ. فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا عَبْدَ اللَّهِ عَبْدَ الْعَزِيزِ اللَّيْثَنِيَّ فَوَثَّقَهُ مَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ يَحْيَى لَيْسَ بِشَيْءٍ فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا تَرَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، هَجْرُ الْمُؤْمِنَيْنِ ثَلَاثًا فَإِنْ تَكَلَّمَا وَإِلَّا أَعْرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمَا حَتَّى يَتَكَلَّمَا» فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُبْطِلُ تَأْوِيلَ مَنْ لَمْ يَحْتَجَّ بِالْمَفْهُومِ جَزْمًا، وَهِيَ اتِّجَاهُ صَاحِبِ الْآدَابِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعُذْرِ إلَّا أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْهَجْرُ وَانْتِفَاءُ التَّسْلِيمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (عَلَى غَيْرٍ مَنْ) أَيْ مُسْلِمٍ قُلْنَا (بِ) جَوَاز (هَجْرِ) هـ لِارْتِكَابِهِ الْمَعَاصِيَ وَتَجَاهُرِهِ بِهَا، فَإِنَّهَا تَجُرُّهُ بِالنَّوَاصِي إلَى جَهَنَّمَ وَلَهَبِهَا. أَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ هَجْرِهِ لِارْتِكَابِهِ الْبِدَعَ الْمُكَفِّرَةَ أَوْ الْمُفَسِّقَةَ أَوْ كَوْنِهِ دَاعِيًا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ سَابِقًا.
وَقَوْلُ النَّاظِمِ (فَأَكِّدْ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ التَّأْكِيدِ، أَيْ أَكِّدْ حَظْرَ انْتِفَاءِ التَّسْلِيمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا عَلَى غَيْرِ مَنْ قُلْنَا بِجَوَازِ هَجْرِهِ أَوْ وُجُوبِهِ.