إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْمُسْتَتِرِ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ أَوْ اُتُّهِمَ بِهِ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ كَمَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ.
قَالَ بَعْضُ الْوُزَرَاءِ الصَّالِحِينَ لِبَعْضِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ: اجْتَهِدْ أَنْ تَسْتُرَ الْعُصَاةَ فَإِنَّ ظُهُورَ مَعَاصِيهِمْ عَيْبٌ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَأَوْلَى الْأُمُورِ سَتْرُ الْعُيُوبِ.
وَفِي مِثْلِهِ جَاءَ الْحَدِيثُ «أَقِيلُوا ذَوِي الْعَثَرَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.
وَالثَّانِي: مَنْ كَانَ مُشْتَهِرًا بِالْمَعَاصِي مُعْلِنًا بِهَا وَلَا يُبَالِي بِمَا ارْتَكَبَ مِنْهَا وَلَا بِمَا قِيلَ لَهُ، فَهَذَا هُوَ الْفَاجِرُ الْمُعْلِنُ وَلَيْسَ لَهُ غِيبَةٌ، وَمِثْلُ هَذَا فَلَا بَأْسَ بِالْبَحْثِ عَنْ أَمْرِهِ لِتُقَامَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى.
وَأَمَّا تَسَوُّرُ الْجُدْرَانِ عَلَى مَنْ عَلِمَ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى مُنْكَرٍ فَقَدْ أَنْكَرَهُ الْأَئِمَّةُ مِثْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّجَسُّسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَقَدْ قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ فُلَانًا تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا، فَقَالَ نَهَانَا اللَّهُ عَنْ التَّجَسُّسِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنْ كَانَ فِي الْمُنْكَرِ الَّذِي غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الِاسْتِمْرَارُ بِهِ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ عَنْهُ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ جَازَ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ مِنْ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فِي الرُّتْبَةِ لَمْ يَجُزْ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا الْكَشْفُ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَ السَّمْعَ عَلَى دَارِ غَيْرِهِ يَسْتَمِعُ صَوْتَ الْأَوْتَارِ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلشَّمِّ لِيُدْرِكَ رَائِحَةَ الْخَمْرِ، وَلَا أَنْ يَمَسَّ مَا قَدْ سُتِرَ بِثَوْبٍ لِيَعْرِفَ شَكْلَ الْمِزْمَارِ، وَلَا أَنْ يَسْتَخْبِرَ جِيرَانَهُ لِيُخْبِرَ بِمَا جَرَى، بَلْ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ ابْتِدَاءً أَنَّ فُلَانًا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَلَهُ إذْ ذَاكَ أَنْ يَدْخُلَ وَيُنْكِرَ.
وَمَرَّ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَتَى سَمِعَ أَنْكَرَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَسْمَعُ الْمُنْكَرَ فِي دَارِ بَعْضِ جِيرَانِهِ قَالَ يَأْمُرُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ يَجْمَعُ عَلَيْهِ الْجِيرَانَ وَيُهَوِّلُ عَلَيْهِ. وَفِيمَنْ سَمِعَ صَوْتَ الْمُغَنِّي فِي الطَّرِيقِ قَالَ: هَذَا قَدْ ظَهَرَ، عَلَيْهِ أَنْ يَنْهَاهُمْ.