قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَأَمَّا الرِّوَايَةُ أَنَّ عَلِيًّا نَهَى عَنْ السَّفَرِ وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مَرْفُوعٌ فَبَاطِلٌ. وَالْمَشْهُورُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ خِلَافُهُ، أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِحَرْبِ الْخَوَارِجِ اعْتَرَضَ مُنَجِّمٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَخْرُجَ، قَالَ لِأَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ إنَّ الْقَمَرَ فِي الْعَقْرَبِ، فَإِنْ خَرَجْت أُصِبْت وَهُزِمَ عَسْكَرُك، فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَجِّمٌ، وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ، فَأَخْرُجُ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَكْذِيبًا لِقَوْلِك، فَمَا سَافَرَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَفْرَةً أَبْرَكَ مِنْهَا، قَتَلَ الْخَوَارِجَ وَكَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ، وَرَجَعَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا فَائِزًا بِبِشَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَتَلَهُمْ حَيْثُ يَقُولُ: «شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَا، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوهُ» وَفِي لَفْظٍ «طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ» .
وَمِمَّا يُنْسَبُ لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَوْلُهُ:
أَيَا عُلَمَا النُّجُومِ أَحَلْتُمُونَا ... عَلَى عِلْمٍ أَرَقَّ مِنْ الْهَبَاءِ
كُنُوزُ الْأَرْضِ لَمْ تَصِلُوا إلَيْهَا ... فَكَيْفَ وَصَلْتُمُو عِلْمَ السَّمَاءِ
قُلْت: وَنَسَبَهُمَا صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْوَافِي بِالْوَفَيَاتِ إلَى الْإِمَامِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِلَفْظِ:
أَمُنْتَحِلِي النُّجُومَ أَحَلْتُمُونَا ... عَلَى عِلْمٍ أَرَقَّ مِنْ الْهَبَاءِ
عُلُومُ الْأَرْضِ مَا أَحْكَمْتُمُوهَا ... فَكَيْفَ بِكُمْ إلَى عِلْمِ السَّمَاءِ
وَمَا أَلْطَفَ قَوْلَ تَاجِ الدِّينِ الْكِنْدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
دَعْ الْمُنَجِّمَ يَكْبُو فِي ضَلَالَتِهِ ... إنْ ادَّعَى عِلْمَ مَا يَجْرِي بِهِ الْفَلَكُ
تَفَرَّدَ اللَّهُ بِالْعِلْمِ الْقَدِيمِ فَلَا الْ ... إنْسَانُ يُشْرِكُهُ فِيهِ وَلَا الْمَلَكُ
أَعَدَّ لِلرِّزْقِ مِنْ إشْرَاكِهِ شَرَكًا ... وَبِئْسَ الْعِدَّتَانِ الشِّرْكُ وَالشَّرَكُ
وَأَطَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُنَجِّمِينَ وَرَدِّهِ. فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا أَنَصَحَهُ لِشَرِيعَةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. .
(وَ) لَا غُرْمَ أَيْضًا فِي إتْلَافِ آلَةِ (سِحْرٍ) لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ (وَ) لَا غُرْمَ أَيْضًا فِي إتْلَافِ آلَةِ (نَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ السِّحْرِ كَالتَّعْزِيمِ وَالْحَصَى الَّذِي يُتَّخَذُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالسِّحْرِ، وَهُوَ قَوْلٌ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا. وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]