لِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ، وَالسَّامِرَةُ مِنْ الْيَهُودِ وَالْإِفْرِنْجِ فِرْقَةٌ مِنْ النَّصَارَى (بِالْمُنْكَرَاتِ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (فِي الشَّرِيعَةِ) الْمُطَهَّرَةِ وَأَلْ فِيهَا لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، أَيْ فِي شَرِيعَتِنَا الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمْعُهَا شَرَائِعُ (يُزْجَرُ) أَيْ يُمْنَعُ، يُقَالُ زَجَرْته مِنْ بَابِ قَتَلَ مَنَعْته فَانْزَجَرَ وَازْدَجَرَ ازْدِجَارًا وَالْأَصْلُ ازْتَجَرَ عَلَى افْتِعَالٍ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا.
وَتَزَاجَرُوا عَنْ الْمُنْكَرِ مَنَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَزَجَرَهُ أَيْ حَثَّهُ وَحَمَلَهُ عَلَى السُّرْعَةِ. وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْهَرْ بِالْمُنْكَرَاتِ فِي شَرِيعَتِنَا بَلْ أَخْفَاهَا وَسَتَرَهَا أَنَّهُ لَا يُزْجَرُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ بِقَوْلِهِ (دُونَ) أَيْ غَيْرَ.
وَمِنْ إتْيَانِ دُونَ بِمَعْنَى غَيْرِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» أَيْ فِي غَيْرِ خَمْسِ أَوَاقٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَتَكُونُ دُونَ بِمَعْنَى سِوَى أَيْ سِوَى (مُخْفٍ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَخْفَى يُخْفِي فَهُوَ مُخْفٍ فَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ الذِّمِّيُّ بِفِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ أَوْ قَوْلِهَا بِأَنْ فَعَلَهَا (بِمَرْكَدِ) أَيْ بِمَوْضِعِ سُكُونٍ يَعْنِي فِي نَحْوِ بَيْتِهِ. يُقَالُ رَكَدَ الْمَاءُ رُكُودًا مِنْ بَابِ قَعَدَ سَكَنَ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرُّكُودُ السُّكُونُ وَالثَّبَاتُ. فَمَعْنَى مَرْكَدِ مَسْكَنٌ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: إذَا فَعَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَمْرًا مُحَرَّمًا عِنْدَهُمْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ عِنْدَنَا لَمْ نَعْرِضْ لَهُمْ وَنَدْعُهُمْ وَفِعْلَهُمْ سَوَاءٌ أَسَرُّوهُ أَوْ أَظْهَرُوهُ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ النَّظْمِ، فَإِنَّهُ حَصَرَ الزَّجْرَ فِي فِعْلٍ مُحَرَّمٍ فِي الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ بِقَيْدِ الظُّهُورِ، وَيَبْقَى إذَا فَعَلُوا مُحَرَّمًا عِنْدَهُمْ دُونَ شَرِيعَتِنَا وَلَوْ ظَاهِرًا أَوْ فِي شَرِيعَتِنَا وَكَانَ خِفْيَةً، سَوَاءٌ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهُ أَوْ لَا. وَأَمَّا إذَا فَعَلُوا مُحَرَّمًا فِي شَرْعِنَا مُجَاهِرِينَ بِهِ وَجَبَ إنْكَارُهُ، سَوَاءٌ اعْتَقَدُوا حِلَّهُ أَوْ لَا.
وَأَمَّا إذَا فَعَلُوا مَا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهُ وَهُوَ فِي شَرْعِنَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَلَوْ ظَاهِرًا، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنَعَنَا مِنْ قِتَالِهِمْ وَالتَّعَرُّضِ لَهُمْ إذَا الْتَزَمُوا الْجِزْيَةَ وَالصَّغَارَ، وَهُوَ جَرَيَانُ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَيْضًا فَالْقَصْدُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إقَامَةُ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ حَاصِلٌ، لَا أَمْرِ دِينِهِمْ الْمُبَدَّلِ الْمُغَيَّرِ. وَأَمَّا إنْ فَعَلُوا أَمْرًا مُحَرَّمًا عِنْدَنَا فَمَا فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ غَضَاضَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُمْنَعُونَ مِنْهُ. وَيَدْخُلُ فِيهِ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ يَعْنِي إصَابَتُهَا بِاسْمِ النِّكَاحِ