أَخْبَرُوا بِتَحْرِيمِهِ امْتَنَعُوا مِنْهُ، وَإِنْ قَالُوا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَالَ السُّلْطَانُ يَجِبُ لَزِمَهُمْ طَاعَتُهُ كَمَا يَجِبُ طَاعَتُهُ فِي الْحُكْمِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُعْتَقَدِهِ: وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ أَمْ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ وَلَا يَنْهَى، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: لَا يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ وَلَا يُشَدِّدَ عَلَيْهِمْ، وَرُوِيَ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِخِلَافِ ذَلِكَ.
قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فِي الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالْقَوْمِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ: يَنْهَاهُمْ وَيَعِظُهُمْ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَنَهَاهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَأَخَذَ الشِّطْرَنْجَ فَرَمَى بِهِ، فَقَالَ قَدْ أَحْسَنَ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ يَمُرُّ بِالْقَوْمِ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ: يَقْلِبُهَا عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يُغَطُّوهَا وَيَسْتُرُوهَا.
وَصَلَّى سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمًا إلَى جَنْبِ رَجُلٍ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَقَالَ: يَا هَذَا، أَقِمْ صُلْبَك وَأَحْسِنْ صَلَاتَك، نَقَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ رِضْوَانَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ إبْطَالِ التَّحْلِيلِ: قَوْلُهُمْ وَمَسَائِلُ الْخِلَافِ لَا إنْكَارَ فِيهَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِنْكَارَ إمَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقَوْلِ بِالْحُكْمِ أَوْ الْعَمَلِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ يُخَالِفُ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا قَدِيمًا وَجَبَ إنْكَارُهُ وِفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْكِرُ بِمَعْنَى بَيَانِ ضَعْفِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُمْ عَامَّةُ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ.
وَأَمَّا الْعَمَلُ إذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ وَجَبَ إنْكَارُهُ أَيْضًا بِحَسَبِ دَرَجَاتِ الْإِنْكَارِ، كَمَا يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا خَالَفَ سُنَّةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبِعَ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلِلِاجْتِهَادِ فِيهَا مَسَاغٌ فَلَا يُنْكِرُ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهَا مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا، وَإِنَّمَا دَخَلَ هَذَا اللَّبْسُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَائِلَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ هِيَ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ، كَمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ، قَالَ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وُجُوبًا ظَاهِرًا مِثْلَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ فِي جِنْسِهِ فَيَسُوغُ