الشِّعْرَ طَلَبَ إنْشَادَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (أَوْ) أَيْ وَأَقْبَلُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي الْمُعْتَمَدِ أَنْ (يَحُدَّ) الْحَادِي (قَوْلَهُ) أَيْ مَقُولَهُ فِي الْحُدَاءِ.

قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ: وَيُبَاحُ الْحُدَاءُ الَّذِي تُسَاقُ بِهِ الْإِبِلُ وَنَشِيدُ الْأَعْرَابِ، وَفِي الْإِنْصَافِ: وَقِيلَ الْحُدَاءُ وَنَشِيدُ الْأَعْرَابِ كَالْغِنَاءِ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ يُبَاحُ. انْتَهَى.

قُلْت: الْمَذْهَبُ الْإِبَاحَةُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لِمَا تَظَافَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْآثَارُ، مِنْ إنْشَادِ الْأَشْعَارِ، وَالْحُدَاءِ فِي الْأَسْفَارِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ عَلَى إبَاحَةِ الْحُدَاءِ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى إبَاحَةِ الْحُدَاءِ.

قَالَ وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ إشْعَارٌ بِنَقْلِ خِلَافٍ فِيهِ وَمَانِعُهُ مَحْجُوجٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.

قَالَ وَيَلْتَحِقُ بِالْحُدَاءِ غِنَاءُ الْحُجَّاجِ الْمُشْتَمِلُ عَلَى التَّشَوُّقِ إلَى الْحَجِّ بِذِكْرِ الْكَعْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَشَاهِدِ وَنَظِيرُهُ مَا يُحَرِّضُ أَهْلَ الْجِهَادِ عَلَى الْقِتَالِ، وَمِنْهُ غِنَاءُ الْمَرْأَةِ لِتَسْكِينِ الْوَلَدِ فِي الْمَهْدِ. انْتَهَى.

وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحْدَى لَهُ فِي السَّفَرِ، وَأَنَّ أَنْجَشَةَ كَانَ يَحْدُو بِالنِّسَاءِ، وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ يَحْدُو بِالرِّجَالِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَنْجَشَةُ كَيْفَ سَوْقُك بِالْقَوَارِيرِ» .

وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَزِيدَ عَنْ سَلَمَةَ يَعْنِي ابْنَ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو قَالَ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَاغْفِرْ فِدَاءً لَك مَا اقْتَفَيْنَا ... وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا

وَأَلْقِيَنَّ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إنَّا إذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا

وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ هَذَا الْحَادِي؟ قَالُوا ابْنُ الْأَكْوَعِ، قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ، قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلَا أَمْتَعْتنَا بِهِ فَأُصِيبَ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015