وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنُ مِهْرَانَ: يُبَدِّلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَيِّئَاتِ الْمُؤْمِنِ إذَا غَفَرَهَا لَهُ حَسَنَاتٍ حَتَّى إنَّ الْعَبْدَ يَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ سَيِّئَاتُهُ أَكْبَرَ مِمَّا هِيَ. وَعَنْ الْحَسَنِ كَالْقَوْلَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَيُؤَكِّدُ هَذَا الْقَوْلَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ فَيُقَالُ عَمِلْت يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ إنَّ لَك مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً فَيَقُولُ رَبِّ قَدْ عَمِلْت أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هُنَا. فَلَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَهَذَا الْحَدِيثُ فِي رَجُلٍ خَاصٍّ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّوْبَةِ، فَيَجُوزُ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ هَذَا بِفَضْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ بِتَوْبَتِهِ وَلَا غَيْرِهَا، كَمَا يُنْشِئُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِهَذَا الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ لِلْقَوْلَيْنِ، وَالْأَوَّلُ يُوَافِقُهُ ظَوَاهِرُ عُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلَا ظُهُورَ فِيهَا لِلْقَوْلِ الثَّانِي، فَكَيْفَ يُقَالُ بِتَبْدِيلٍ خَاصٍّ بِلَا دَلِيلٍ خَاصٍّ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلظَّوَاهِرِ، لَا يُقَالُ كِلَاهُمَا تَبْدِيلٌ، فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَقَدْ قَالَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ لِأَنَّ التَّبْدِيلَ لَا عُمُومَ فِيهِ، فَإِذَا قِيلَ بِتَبْدِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ يُوَافِقُهُ ظَوَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ أَوْلَى. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ أَوْ لِمَنْ بَالَغَ بِأَنْ عَمِلَ صَالِحًا. فَالْقَوْلُ بِالْعُمُومِ لِكُلِّ تَائِبٍ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ، وَفِي الْآيَةِ وَظَوَاهِرُ الْأَدِلَّةِ مَا يُخَالِفُهُ.
قُلْت: وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَرَأَيْت مَنْ عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً إلَّا أَتَاهَا فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ فَهَلْ أَسْلَمْت؟ قَالَ فَأَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ يَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ لَك خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ. قَالَ وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى