قَضَيْتُ الوَطَرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا من محادثة الإخوان في الليالي الزُّهْرِ على التِّلال العُفْر.

6 - وقال سُلَيْمان بن عبد الملك: قَدْ رَكِبْنَا الفَارِهَ، وَتَبَطَّنَّا الْحَرِيرَ، وَلَبِسْنا اللَّيِّنَ، وأَكَلْنَا الطَّيِّبَ؛ وها أنا اليوم أَحْوج مني إلى جَليسٍ يضَعُ عَنِّي مؤونَةَ التحفُّظِ، ويحدِّثَني بما لا يمجّه السَّمْعُ، ويطربُ إليه القَلْب.

إذا تقرَّر هذا، فاعْلَم أيَّدَكَ اللهُ، أَنَّهُ لا بأسَ بالمَزْح الخالي عن سَفْسَاف الأمور وعن مخالطة السَّفَلَةِ ومزاحَمَتِهِم، بل بَيْنَ الإخْوانِ أَهْلِ الصَّفَاءِ بِمَا لَا أَذَى فِيهِ وَلَا ضَرَرَ، وَلا غِيبَةَ وَلا شَيْن، في عِرْضٍ أو دِين؛ بل رُبَّمَا لَوْ قِيلَ: يُنْدَبُ، لم يَبْعُدْ؛ إذا كان قاصِدًا بِهِ حُسْنَ العِشْرَةِ والتواضع للإخوان، والإنْبساط معهم، ورفع الحشمَةِ بينهم؛ من غير استهزاء أو إخلالٍ بمروءةٍ أو استنقاص بأَحَدٍ منْهُم.

7 - وبالجملةِ، فإنَّ المَزْحَ في مقامٍ يقتضيه، لا ملامَ فيه؛ بل قيل لسُفْيان: المزاح هُجْنَةٌ؟ فقالَ بل سُنَّة، لقولِهِ عليه الصلاة والسلام: "إِنِّي لَأَمْزَحُ ولَا أَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ" ["مجمع الزوائد" 9/ 17، "تاريخ بغداد" 3/ 378، "الأنوار" للبغوي، رقم: 311 و 312، وراجع "المراح" رقم: 26 و 24].

فالعاقِلُ يتوخَّى بِمَزْحِهِ إحدى حالَتَيْنِ: إِمَّا إِيناس المصاحِبِين، [أَ] وِ التودُّد إلى المُخاطَبِين.

8 - قال سَعِيدُ بنُ العَاصِ لابْنِهِ: اقْتَصِدْ فِي مَزْحِكَ، فَإِنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015