سببهما من الظهار والقتل، وفي الثالث النهي عن اليمين والظهار، فحمل المطلق فيه على كفارة الظهار في التتابع أولى من حمله على صوم المتمتع في التفريق لاتحادهما في الجامع، والتمثيل به إنما هو على قول قديم، وقيل يحمل عليه في الأوليين لفظا أي بمجرد وجود اللفظ المقيد من غير حاجة إلى جامع، وقيل لا يحمل عليه في الثالثة بناء على أن الحمل لفظي. وقال الحنفي لا يحمل عليه لاختلاف الحكم أو السبب فيبقى المطلق على خلافه. أما إذا كان ثم مقيد في محلين بمتنافيين ولم يكن المطلق في ثالث أولى بالتقييد بأحدهما من حيث القياس كما في قوله تعالى في قضاء رمضان {فعدة من أيام أخر} وفي كفارة الظهار {فصيام شهرين متتابعين} وفي صوم التمتع ما مرّ. فيبقى المطلق على إطلاقه لامتناع تقييده بهما لتنافيهما وبواحد منهما لانتفاء مرجحه، فلا يجب في قضاء رمضان تتابع ولا تفريق والترجيح من زيادتي، ولو اختلف سببهما وحكمهما كتقييد الشاهد بالعدالة وإطلاق الرقبة في الكفارة لم يحمل المطلق على المقيد اتفاقا، وقيل على الراجح.
أي هذا مبحثهما. (الظاهر) لغة الواضح واصطلاحا. (ما دل) على المعنى (دلالة ظنية) أي راجحة بوضع اللغة أو الشرع أو العرف، يحتمل غير ذلك المعنى مرجوحا كما مر أوائل الكتاب الأول كالأسد راجح في الحيوان المفترس لغة مرجوح في الرجل الشجاع والصلاة راجحة في ذات الركوع والسجود شرعا مرجوحة في الدعاء الموضوعة له لغة، والغائط راجح في الخارج المستقذر عرفا مرجوح في المكان المطمئن الموضوع له لغة، وخرج المجمل لتساوي الدلالة فيه، والمؤول لأنه مرجوح، والنص كزيد لأن دلالته قطعية. (والتأويل حمل الظاهر على المحتمل المرجوح فإن حمل) عليه (دليل فصحيح) الحمل. (أو لما يظنّ دليلاً) وليس دليلاً في الواقع (ففاسد أو لا لشيء فلعب) لا تأويل.
(والأول) أي التأويل قسمان (قريب) يترجح على الظاهر بأدنى دليل نحو {إذا قمتم إلى الصلاة} أي عزمتم على القيام إليها و {إذا قرأت القرآن} أي أردت قراءته. (وبعيد) لا يترجح على الظاهر إلا بأقوى منه. (كتأويل) الحنفية (أمسك) من قوله صلى الله عليه وسلّم لغيلان لما أسلم على عشر نسوة «أمسك أربعا وفارق سائرهن» . (بابتدىء) نكاح أربع منهن بقيد زدته بقولي (في المعية) أي فيما إذا نكحهن معا لبطلانه كالمسلم بخلاف نكاحهن مرتبا فيمسك الأربع الأوائل، ووجه بعده أن المخاطب بمحله وهو أمسك قريب عهد بالإسلام لم يسبق له بيان شروط النكاح مع حاجته إلى ذلك، ولم ينقل تجديد نكاح منه ولا من غيره ممن أسلم مع كثرتهم وتوفر دواعي حملة الشرع على نقله لو وقع. (و) كتأويلهم (ستين مسكينا} من قوله تعالى {فإطعام ستين مسكينا} (بستين مدا) بتقدير مضاف أي طعام ستين مسكينا وهو ستون مدا فيجوز إعطاؤه لمسكين واحد في ستين يوما كما يجوز إعطاؤه لستين مسكينا في يوم واحد، لأن القصد بإعطائه دفع الحاجة ودفع حاجة الواحد في ستين يوما كدفع حاجة الستين في يوم واحد، ووجه بعده أنه اعتبر فيه ما لم يذكر من المضاف وألغى فيه ما ذكر من عدد المساكين الظاهر قصده لفضل الجماعة وبركتهم وتظافر قلوبهم على الدعاء