والأوجه الفرق إذ ذكر اليوم في الآية الثانية قرينة لليأس، وتركه في الأولى قرينة للاحتقار.
(وفي الإرادة والتحريم ما) مرّ (في الأمر) من الخلاف، فقيل لا تدل الصيغة على الطلب إلا إذا أريد الطلب بها، والأصح أنها تدل عليه بلا إرادة وأنها حقيقة في التحريم لغة، وقيل شرعا، وقيل عقلاً، وقيل في الطلب الجازم لغة، وفي التوعد على الفعل شرعا وهو مقتضى ما اختاره الأصل في الأمر، وقيل حقيقة في الكراهة، وقيل فيها وفي التحريم، وقيل في أحدهما ولا نعرفه، وقيل غير ذلك. (وقد يكون) النهي (عن) شيء (واحد) وهو ظاهر. (و) عن (متعدد جمعا كالحرام المخير) نحو لا تفعل هذا أو ذاك، فعليه ترك أحدهما فقط فلا مخالفة إلا بفعلهما. فالمحرّم فعلهما لا فعل أحدهما فقط. (وفرقا كالنعلين تلبسان أو تنزعان ولا يفرّق بينهما) بلبس أو نزع إحداهما فقط، فإنه منهيّ عنه أخذا من خبر الصحيحين «لا يمشينّ أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا» فهما منهي عنهما لبسا أو نزعا من جهة الفرق بينهما في ذلك لا الجمع فيه. (وجميعا كالزنا والسرقة) فكل منهما منهي عنه فبالنظر إليهما يصدق أن النهي عن متعدد، وإن صدق بالنظر إلى كل منهما أنه عن واحد.
(والأصح أن مطلق النهي ولو تنزيها) مقتض (للفساد) في المنهي عنه بأن لا يعتدّ به (شرعا) إذ لا يفهم ذلك من غيره، وقيل لغة لفهم أهلها ذلك من مجرد اللفظ، وقيل عقلاً وهو أن الشيء إنما ينهى عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده. (في المنهي عنه) من عبادة وغيرها كصلاة نفل مطلق في وقت مكروه وبيع بشرط. (إن رجع النهي) فيما ذكر (إليه) أي إلى عينه كالنهي عن صلاة الحائض أو صومها وكالنهي عن الزنا حفظا للنسب. (أو إلى جزئه) كالنهي عن بيع الملاقيح لانعدام المبيع وهو ركن في البيع. (أو) إلى (لازمه) كالنهي عن بيع درهم بدرهمين لاشتماله على الزيادة اللازمة بالشرط، وكالنهي عن الصلاة في الوقت المكروه لفساد الوقت اللازم لها بفعلها فيه بخلافها في المكان المكروه، لأنه ليس بلازم لها بفعلها فيه لجواز ارتفاع النهي عن الصلاة فيه مع بقائه بحاله كجعل الحمام مسجدا فبذلك افترقا وفرق البرماوي بأن الفعل في الزمان يذهبه، فالنهي منصرف لإذهابه في المنهي عنه، فهو وصف لازم، إذ لا يمكن وجود فعل إلا بذهاب زمان بخلاف الفعل في المكان، وتعبيري بما ذكر هو مراد الأصل بما عبر به كما بينته في الحاشية. (أو جهل مرجعه) من واحد مما ذكر، كما قاله ابن عبد السلام تغليبا لما يقتضي الفساد على ما لا يقتضيه كالنهي عن بيع الطعام حتى تجري فيه