(واعرض) على نفسك (التوبة) حيث ذكرت الموت وخفت مقت ربك وذكرت سعة رحمته لتتوب عما فعلت فتقبل ويعفى عنك فضلاً منه تعالى. (وهي الندم) على الذنب من حيث إنه ذنب، فالندم على شرب الخمر لإضراره بالبدن ليس بتوبة، ولا يجب استدامة الندم كل وقت، بل يكفي استصحابه حكما بأن لا يقع ما ينافيه. (وتتحقق) التوبة (بالإقلاع) عن الذنب (وعزم أن لا يعود) إليه (وتدارك ما يمكن تداركه) من حق نشأ عن الذنب كحق القذف فيتداركه بتمكين مستحقه من المقذوف أو وارثه ليستوفيه أو يبرئه منه، فإن لم يمكن تداركه كأن لم يكن مستحقه موجودا سقط هذا الشرط كما يسقط في توبة ذنب لا ينشأ عنه حق الآدمي، وكذا يسقط الإقلاع في توبة ذنب بعد الفراغ منه كشرب خمر، فالمراد بتحقق التوبة بهذه الشروط أنها لا تخرج فيما تتحقق به عنها لا أنه لا بد منها في كل توبة. (والأصح صحتها) أي التوبة (عن ذنب ولو نقضت) بأن عاود التائب ذنبا تاب منه فهذه المعاودة لا تبطل التوبة السابقة، بل هي ذنب آخر يوجب التوبة، وقيل لا تصح التوبة السابقة (أو) كانت التوبة (مع الإصرار على) ذنب (كبير) ، وقيل لا تصح (و) الأصح (وجوبها عن) ذنب (صغير) ، وقيل لا تجب لتكفيره باجتناب الكبائر، قال تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} .
(وإن شككت في الخاطر أمأمور) به (أم منهي) عنه (فأمسك) عنه حذرا من الوقوع في المنهى عنه. (ففي متوضىء يشك) في (أن ما يغسله) غسلة (ثالثة) فتكون مأمورا بها. (أو رابعة) فتكون منهيا عنها. (قيل) أي قال الشيخ أبو محمد الجويني. (لا يغسل) خوف الوقوع في المنهي عنه، والأصح أنه يغسل لأن التثليث مأمور به ولم يتحقق قبل هذه الغسلة ويأتى بها. (وكل واقع) في الوجود ومنه الخاطر وفعله وتركه كائن. (بقدرة الله وإرادته فهو) تعالى (خالق كسب العبد) أي فعله الذي هو كاسبه لا خالقه بأن (قدّر) الله (له قدرة) هي استطاعته (تصلح للكسب لا للإيجاد) ، بخلاف قدرة الله فإنها للإيجاد لا للكسب، (فالله) تعالى (خالق لا مكتسب والعبد بعكسه) أي مكتسب لا خالق فيثاب ويعاقب على مكتسبه الذي يخلقه الله عقب قصده له، وهذا أي كون فعل العبد مكتسبا له مخلوقا لله توسط بين قول المعتزلة إن العبد خالق لفعله لأنه يثاب ويعاقب عليه، وقول الجبرية إنه لا فعل للعبد أصلاً، وهو آلة محضة كالسكين بيد القاطع، وقد يقع في كلام بعض العارفين ما يوهم الخبر من نفيهم الاختيار، والفعل عن أنفسهم، ومرادهم عدم الملاحظة لذلك لاستغراقهم في النظر إلى ما منه تعالى لا إلى ما منهم.
(والأصح أن قدرته) أي العبد وهي صفة يخلقها الله عقب قصد الفعل بعد سلامة الأسباب والآلات. (مع الفعل) ، لأنها عرض فلا تتقدم عليه وإلا لزم وقوعه بلا قدرة لامتناع بقاء الأعراض، وقيل قبله لأن التكليف قبله فلو لم تكن القدرة قبله لزم تكليف العاجز، وردّ بأن صحة التكليف تعتمد القدرة بمعنى سلامة الأسباب والآلات لا بالمعنى السابق، وهذا من زيادتي. وإذا كان العبد مكتسبا لا خالقا لكون قدرته للكسب لا للإيجاد وكانت قدرته مع الفعل، (فـ) ـنقول (هي) أي القدرة من العبد. (لا تصلح للضدين) أي التعلق بهما، وإنما تصلح للتعلق بأحدهما وهو ما يقصده العبد، إذ لو صلحت للتعلق بهما لزم اجتماعهما لوجوب مقارنتهما للقدرة المتعلقة، بل قالوا إن القدرة الواحدة لا تتعلق بمقدورين مطلقا سواء أكانا متضادين أم متماثلين