مسألة النافي يطالب بدليل

مسألة المختار أنه صلى الله عليه وسلم كان متعبدا قبل البعثة بشرع

(و) الأصح أنه (لا يحتج باستصحاب حال الاجماع في محل الخلاف) أي إذا أجمع على حكم في حال ثم اختلف فيه في حال آخر، ففلا يحتج باستصحاب ذلك الحال في هذا الحال، وقيل يحتج مثاله الخارج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء عندنا استحصابا لما قبل الخروج من بقائه المجمع عليه.

(فالاستصحاب) الشامل للأنواع السابقة وينصرف الاسم إليه، (ثبوت أمر في) الزمن (الثاني لثبوته في الأول لفقد ما يصلح للتغيير) من الأول إلى الثاني، فلا زكاة عندنا فيما حال عليه الحول من عشرين دينارا ناقصة تروج رواج الكاملة بالاستصحاب (أما ثبوته) أي الأمر (في الأول) لثبوته في الثاني (فـ) ـاستصحاب (مقلوب) كأن يقال في المكيال الموجود الآن كان على عهده صلى الله عليه وسلّم باستصحاب الحال في الماضي، إذ الأصل موافقة الماضي للحال والاستدلال به خفيّ حتى قال السبكي إنه لم يقل به الأصحاب إلا فيمن اشترى شيئا فادعاه غيره وأخذه بحجة مطلقة فيثبت له الرجوع بالثمن على البائع عملاً باستصحاب الملك الذي ثبت الآن فيما قبل ذلك، لأن البينة لا توجد الملك، بل تظهره، فيجب أن يكون سابقا على إقامتها ويقدر له لحظة لطيفة، ومن المحتمل انتقال الملك من المشتري إلى المدعي، ولكنهم استصحبوا مقلوبا وهو عدم الانتقال منه على أن في هذه الصورة وجها مشهورا بعدم الرجوع، واعتمده البلقيني وقال إنه الصواب المتعين، والمذهب الذي لا يجوز غيره. (وقد يقال فيه) أي في الاستصحاب المقلوب ليظهر الاستدلال به لرجوعه في المعنى إلى الاستصحاب المستقيم (لو لم يكن الثابت اليوم ثابتا أمس لكان غير ثابت) أمس، إذ لا واسطة بين الثبوت وعدمه (فيقضي استصحاب أمس) الخالي عن الثبوت فيه، (بأنه اليوم غير ثابت وليس كذلك) ، لأنه مفروض الثبوت اليوم (فدل) ذلك (علىأنه ثابت) أمس أيضا.

(مسألة المختار أن النافي) لشيء (يطالب بدليل) على انتفاء (إن لم يعلم النفي) أي انتفاء الشيء (ضرورة) بأن علم نظرا أو ظن لأن غير الضروري قد يشتبه فيطلب دليله لينظر فيه، وقيل لا يطالب به، وقيل يطالب به في العقليات لا الشرعيات. (وإلا) أي وإن علم انتفاؤه ضرورة، (فلا) يطالب بدليل على انتفائه لأن الضروريّ لا يشتبه حتى يطلب دليله لينظر فيه، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به كما بينته في الحاشية. (و) المختار (أنه لا يجب الأخذ بالأخف ولا بالأثقل) في شيء، بل يجوز كل منهما لأن الأصل عدم الوجوب، وقيل يجب الأخذ بالأخف لقوله تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقيل يجب الأخذ بالأثقل لأنه أكثر ثوابا وأحوط، والترجيح من زيادتي، وتقدم في الإجماع ما يؤخذ منه أنه يجب الأخذ بأقل ما قيل.

(مسألة المختار) كماقال ابن الحاجب وغيره (أنه صلى الله عليه وسلّم كان متعبدا) بفتح الباء وكسرها أي مكلفا ومكلفا نفسه بالعبادة. (قبل البعثة بشرع) ، لما في الأخبار من أنه كان يتعبد كان يصلي كان يطوف. وتلك أعمال شرعية يعلم ممن مارسها قصد موافقة أمر الشرع، ولا يتصوّر من غير تعبد فإن العقل بمجرده لا يحسنه، وقيل لم يكن متعبدا وقيل بالوقف وهو ما اختاره الأصل، (و) المختار (الوقف عن تعيينه) أي تعيين الشرع بتعيين من نسب إليه، وقيل هو آدم، وقيل نوح، وقيل إبراهيم، وقيل موسى، وقيل عيسى، وقيل ما ثبت أنه شرع من غير تعيين لنبيّ. (و) المختار (بعدها) أي بعد البعثة (المنع) من تعبده بشرع من قبله، لأن له شرعا يخصه، وقيل تعبد بما لم ينسخ من شرع من قبله أي ولم يرد فيه وحي له استصحابا لتعبده به قبل البعثة. (و) المختار بعد البعثة (أن أصل المنافع الحل المضارّ التحريم) قال تعالى {خلق لكم ما في الأرض جميعا} ذكره في معرض الامتنان ولا يمتنّ إلا بالجائر. وقال صلى الله عليه وسلّم «لا ضَرَرَ ولا ضِرَار» . رواه ابن ماجة وغيره، وزاد الطبراني «في الإسلام» وقيل الأصل في الأشياء الحل، وقيل الأصل فيها التحريم، أما حكم المنافع والمضارّ قبل البعثة فتقدم أوائل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015