يجوز ذلك في العلل المنصوصة دون المستنبطة لأن الأوصاف المستنبطة الصالح كل منها للعلية يجوز أن يكون مجموعها العلة عند الشارع، فلا يتعين استقلال كل منها بالعلية بخلاف ما نص على استقلاله بها. وأجيب بأنه يتيعن الاستقلال بالاستنباط أيضا وقيل يمتنع شرعا مطلقا، إذ لو جاز شرعا لوقع لكنه لم يقع. قلنا بتقدير تسليم اللزوم لا نسلم عدم وقوعه لما مر من علل الحدث، وقيل يمتنع عقلاً وهو الذي صححه الأصل، وقيل يجوز في التعاقب دون المعية للزوم المحال الآتي لها بخلاف التعاقب، لأن الذي يوجد فيه بالثانية مثلاً مثل الأوّل لا عينه، وعلى منع التعدّد فما يذكره المجيز من التعدّد، إما أن يقال فيه العلة مجمع الأمور أو أحدها لا بعينه، أو يقال فيه الحكم متعدد بمعنى أن الحكم المستند إلى واحد منها غير المستند إلى آخر، وإن اتفقا نوعا كما قيل بكل من ذلك، أما العلل
العقلية فيمتنع تعدّدها مطلقا للزوم المحال منه كالجمع بين النقيضين، فإن الشيء باستناده إلى كل منها يستغني عن الباقي، فيلزم أن يكون مستغنيا عن كل منها وغير مستغن عنه، وذلك جمع بين النيقيضين، ويلزم في التعاقب محال آخر، وهو تحصيل الحاصل حيث يوجد بما عدا الأولى عين ما وجد بها. وفارقت العلل العقلية الشرعية على الأصح بأن المحال المذكور إنما يلزم فيها لإفادتها، وجود المعلول بخلاف الشرعية التي هي معرفات، فإنها إنما تفيد العلم به سواء أفسر المعرف بما يحصل به التعريف، أم بما من شأنه التعريف.
(وعكسه) وهو تعليل أحكام بعلة (جائز وواقع)) جزما بناء على الأصح من تفسير العلة بالمعرف (إثباتا كالسرقة) فإنها علة لوجوب القطع ولوجوب الغرم إن تلف المسروق. (ونفيا كالحيض) ، فإنه علة لعدم جواز الصوم والصلاة وغيرهما، أما على تفسير العلة بالباعث فكذلك على الأصح، وقيل يمتنع تعليلها بعلة بناء على اشتراط المناسبة فيها، لأن مناسبتها لحكم يحصل المقصود منها بترتيب الحكم عليها، فلو ناسبت آخر لزم تحصيل الحاصل. قلنا لا نسلم ذلك لجواز تعدد المقصود كما في السرقة المرتب عليها القطع زجرا عنها والغرم جبرا لما تلف من المال، وقيل يمتنع ذلك إن تضادت الأحكام كالتأبيد لصحة البيع وبطلان الإجارة، لأن الشيء الواحد لا يناسب المتضادات. (و) شرط (للإلحاق) بالعلة (أن لا يكون ثبوتها متأخرا عن ثبوت حكم الأصل في الأصح) سواء أفسرت بالباعث أم بالمعرف، لأن الباعث على الشيء أو المعرف له لا يتأخر عنه، وقيل يجوز تأخر ثبوتها بناء على تفسيرها بالمعرف كما يقال عرق الكلب نجس كلعابه، لأنه مستقذر لأن استقذاره إنما يثبت بعد ثبوت نجاسته. قلنا قوله بناء على تفسيرها بالمعرف إنما يتم بتفسير المعرف بما من شأنه التعريف لا بتفسيره بما يحصل به التعريف الذي هو المراد، لئلا يلزم عليه تعريف المعرف، وعلى تفسيره بالأوّل فتعريف المتأخر للمتقدّم جائز، وواقع إذ الحادث يعرف القديم كالعالم لوجود الصانع تعالى. (و) شرط الإلحاق بالعلة (أن لا تعود على الأصل) الذي استنبطت منه (بالإبطال) لحكمه لأنه منشؤها فإبطالها له إبطال لها كتعليل الحنفية وجوب الشاة في الزكاة بدفع حاجة الفقير، فإنه مجوز لإخراج قيمة الشاة مفض إلى عدم وجوبها عينا بالتخيير بينها وبين قيمتها. (ويجوز عودها) على الأصل (بالتخصيص) له (في الأصح غالبا) . فلا يشترط عدمه كتعليل الحكم في آية {أو لامستم النساء} بأن اللمس مظنة التمتع أي التلذذ، فإنه يخرج من النساء المحارم فلا ينقض
لمسهن الوضوء، وقيل لا يجوز ذلك فيشترط عدم التخصيص، فينقض لمس المحارم الوضوء عملاً بالعموم والتصحيح من زيادتي، وخرج بالتخصيص التعميم فيجوز العود به قطعا كتعليل الحكم في خبر الصحيحين لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان، بتشويش الفكر فإنه يشمل غير الغضب أيضا وبزيادتي غالبا تعليل نحو الحكم في خبر النهي عن بيع اللحم بالحيوان بأنه بيع ربوي بأصله، فإنه يقتضي جواز البيع بغير الجنس من مأكول وغيره كما هو أحد قولي الشافعي،