فَصْلٌ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ
تُسَنُّ بِفَاضِلٍ عَن كِفَايَةٍ دَائِمَةٍ بِمَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ صَنْعَةٍ عَنْهُ، وَعَمَّنْ يُمَوِّنُهُ كُلَّ وَقْتٍ وَسِرًّا مِمَّا يَجِبُ، وَكَسْبُ يَدِهِ بِطِيبِ نَفْسٍ في صِحَّةٍ، وَفِي رَمَضَانَ وَوَقْتُ حَاجَةٍ، وَكُلُّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ كَالْعَشْرِ، وَالْحَرَمَينِ وَعَلَى جَارٍ وَعَالِمٍ وَدَيِّنٍ وَذِي عَائِلَةٍ وَذَوي رَحِمٍ، لَاسِيَّمَا مَعَ عَدَاوَةٍ، وَهِيَ عَلَيهِمَ صِلَةٌ أَفْضَلُ.
وَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤنَةً تَلْزَمُهُ أَو أَضرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ غِريِمِهِ أَوْ كَفِيِلِهِ أَثِمَ، وَمَنْ أَرَادَهَا بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَلَهُ عَائِلَةٌ لَهُمْ كِفَايَةٌ، أَوْ يَكْفِيهِمْ بِمَكسَبِهِ أَوْ وَحْدَهُ، وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإلَّا حَرُمَ، وَكُرِهَ لِمَنْ لَا صَبْرَ أَو عَادَةً لَهُ عَلَى الضَّيقِ أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عَنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ، قَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ تَزَهَّدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأَخْرَجُوا مَا بِأَيدِيهِمْ، ثُمَّ احْتَاجُوا، فَدَخَلُوا في الْمَكرُوهَاتِ.
وَقَال سَعِيدُ بنُ الْمُسَيِّبِ: لَا خَيرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ الْمَال، يَعْبُدُ بِهِ رَبَّهُ، وَيُؤَدِّي بِهِ أَمَانَتَهُ، وَيَصُونُ بِهِ نَفْسَهُ، وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْخَلْقِ. وَمَنْ مَيِّزَ شَيئًا لِلصَّدَقَةِ أَوْ وَكَّلَ فِيهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ سُنَّ إمْضَاؤُهُ لَا إبْدَالُ مَا أَعْطَى سَائِلًا، فَسَخِطَهُ وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ كَبِيرَةٌ، وَيَبَطُلُ الثَّوَابُ بِهِ، قَال بَعْضُهُمْ لَا لِقَصْدِ تَرْبِيَةٍ وَتَأْديبٍ.