وَذَلِكَ أَيْضا مِمَّا لَا يكفى بل لابد من بَيَان أَن مَا حصل بَين الْجَوَاهِر أَو بَعْضهَا من الِاجْتِمَاع أَو الِافْتِرَاق مِمَّا لَا تَقْتَضِيه بذواتها إِذْ رُبمَا لَا يُسلمهُ الْخصم عنادا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بعض الْجَوَاهِر كالاجتماع الْكَائِن بَين الأجرام الفلكية والجواهر العلوية وَكَذَلِكَ بعض الافتراقات لبَعض الأجرام أَيْضا فمجرد الدَّعْوَى فِي ذَلِك غير كَافِيَة وَلَا شافية
وَلَيْسَ يلْزم من جَوَاز تبدل الِاجْتِمَاع والافتراق على بعض الْجَوَاهِر السفلية مثله فِي الْجَوَاهِر العلوية وَلَا كَذَلِك بِالْعَكْسِ لما اشْتَركَا فِيهِ من الجوهرية أَو الجسمية فَإِنَّهُ لَا مَانع من أَن يكون ذَلِك لَهَا بِاعْتِبَار خصوصياتها وَلما وَقع بِهِ الِافْتِرَاق بَين ذواتها
وَإِن أمكن بَيَان ذَلِك فَهُوَ مِمَّا يطول ويصعب تَحْقِيقه جدا على أَرْبَاب الْعُقُول
وَلِهَذَا انتهج إِمَام الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْمنْهَج بِعِبَارَة أُخْرَى فَقَالَ
نعلم قطعا أَن اخْتِصَاص الْعَالم بشكله الْمُقدر مَعَ جَوَاز أَن يكون أَصْغَر من ذَلِك أَو أكبر وفرضه فِي مستقره من غير تيامن وَلَا تياسر واختصاص كل جُزْء من أَجْزَائِهِ بمكانه من الْمُحِيط إِلَى المركز بِحَيْثُ كَانَت الأفلاك مُحِيطَة بالنَّار وَالنَّار مُحِيط بالهواء والهواء بِالْمَاءِ وَالْمَاء بِالتُّرَابِ إِلَى غير ذَلِك من وُجُوه التخصيصات مِمَّا لَا يَسْتَحِيل القَوْل بِفَرْض وجود تِلْكَ الأجرام بذواتها مَعَ غَيرهَا كَأَن يكون الْعَالم أَصْغَر أَو أكبر مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ أَو متيامنا أَو متياسرا مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ من مستقره أَيْضا وَلَو كَانَ ذَلِك مِمَّا يثبت لَهَا بِاعْتِبَار