أما الطّرف الأول

فقد سلك المتكلوم فِيهِ بَيَان افتقار الْعَالم إِلَى صانع مبدع أَولا ثمَّ بَيَان إبِْطَال الإيجاد بِالذَّاتِ ثَانِيًا فَقَالَ بَعضهم فِي بَيَان وَجه الافتقار إِلَى الصَّانِع الْمُبْدع

إِنَّا لَو قَدرنَا قدم الْجَوَاهِر فَلَيْسَ تَخْلُو عَن اجْتِمَاع وافتراق إِذْ لَا جَائِز أَن تكون لَا مجتمعة وَلَا مفترقة وعَلى كل تَقْدِير فَنحْن نعلم جَوَاز تبدل الِاجْتِمَاع والافتراق عَلَيْهَا وَعند ذَلِك فَلَا تَخْلُو إِمَّا أَن تكون مُسْتَحقَّة لذَلِك لذواتها أَو بِاعْتِبَار أَمر خَارج لَا جَائِز أَن تكون مُسْتَحقَّة لذَلِك لذواتها فَإِن مَا ثَبت للذات يَدُوم بدوام الذَّات وَلَا يتَصَوَّر عَلَيْهِ التبدل أصلا فَإِذا لَا بُد أَن يكون الْمُخَصّص لَهَا بذلك أمرا خَارِجا لَا محَالة

وَاعْلَم أَن التَّعَرُّض لإِظْهَار هَذَا الْمِقْدَار لَيْسَ بمفيد لِأَن الْخصم مَا يَدْفَعهُ أَو يمنعهُ وَإِنَّمَا هُوَ لإسناد الْعلم بِهِ إِلَى الدَّلِيل ولدفع شغب معاند مجاحد خَارج عَن هَذَا الْقَبِيل فَإِذا كَانَ كَذَلِك فالعلم بِصِحَّة مَدْلُول هَذَا الدَّلِيل يتَوَقَّف على حصر الْجَوَاهِر والموجودات فِيمَا هُوَ قَابل للاجتماع والافتراق إِذْ رُبمَا يَقُول الْخصم بِوُجُود جَوَاهِر مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة وعلائق الْموَاد لَا تقبل الِاجْتِمَاع والافتراق وَلَا يَصح القَوْل بِكَوْنِهَا مجتمعة وَلَا مُتَفَرِّقَة لكَونهَا عقولا مَحْضَة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015