وَإِذا لم يكن فِي الْإِدْرَاك بُد من الْآلَات والأدوات امْتنع القَوْل بثبوتها فِي حق البارى تَعَالَى كَيفَ وَأَن مَا ذكرتموه ينْتَقض عَلَيْكُم بباقى الادراكات وَغَيرهَا من الكمالات كَمَا سلف
وَالْجَوَاب أما مَا قيل من أَن السّمع وَالْبَصَر ليسَا بزائدين على نفس الْعلم فقد قَالَ بعض الْأَصْحَاب فِي الْجَواب هَهُنَا إِنَّه لَو لم يكن كَذَلِك وَإِلَّا لما وَقعت التَّفْرِقَة بَين مَا علم بالبرهان أَو الْخَبَر وَبَين مَا حصل بِالْعينِ وَالْبَصَر وَلَا محَالة أَن هَذِه التَّفْرِقَة مِمَّا يشْهد بصفدقها نظر ذوى الْأَلْبَاب فإنكارها مِمَّا لَا سَبِيل إِلَيْهِ إِلَّا عَن جحد أَو عناد
لكنه مِمَّا لَا ثُبُوت لَهُ على محك النّظر إِذْ الْخصم يَقُول وَإِن سلم التَّفْرِقَة بِمَنْع عودهَا إِلَى الْعلم والإدراك بل مَا تشعر بِهِ النَّفس عِنْد الْخَبَر اليقينى بِأَن زيدا مثلا على صُورَة كَذَا أَو كَذَا لَيْسَ يخْتَلف عِنْد النّظر والمشاهدة بالبصر وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف والتفرقة عائدان إِلَى نفس الْمحل الذى هُوَ وَاسِطَة حُصُول الْعلم من الْبَصَر وَغَيره أَو إِلَى الْجُمْلَة وَالتَّفْصِيل أَو الاطلاق وَالتَّقْيِيد أَو الْعُمُوم وَالْخُصُوص وَبِالْجُمْلَةِ إِلَى الْمحل الذى هُوَ مُتَعَلق الْعلم فِي الْحَالَتَيْنِ وَذَلِكَ بِأَن يكون مَا حصل بالبصر أَو السّمع مفصلا أَو مُقَيّدا أَو خَاصّا وَمَا حصل بالبرهان وَالْخَبَر لم يكن إِلَّا مُجملا أَو مُطلقًا أَو غير ذَلِك وَذَلِكَ مِمَّا لَا يدل على أَن مَا حصل بالبصر أَو السّمع خَارج عَن جنس الْعلم أَو نَوعه وَهُوَ كَمَا لَو علم بطرِيق خَاص إِمَّا بِالدَّلِيلِ أَو غَيره أَن كل منقسم بمتساويين فَهُوَ زوج وَاتفقَ أَن مَا فِي يَد زيد مثلا منقسم بمتساويين فَأَنَّهُ من جِهَة الْعُمُوم مَعْلُوم