منهما كان منه ما كان في حق الشيخ ابن تيمية وأصحابه وجماعة من حفاظ الحديث، من شتمهم أقبح شتم، وسبهم ولعنهم بما هو مشهور في كتبهم، حتى أن ابن حجر لم يكتف بذلك في كتاب واحد من كتبه، بل ذكر ذلك في تحفته، وفي فتاواه الفقهية، وفي فتاواه الحديثية، وفي غيرها، حتى قال في كتابه "الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظم" من جملة كلام: إن ابن تيمية عبد أضله الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه، وبوأه من قوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان، وأوجب له الحرمان، ثم قال: ولقد تصدى شيخ الإسلام، وعالم الأنام، المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته: التقي السبكي- قدس الله روحه ونور ضريحه- للرد في تصنيف مستقل، أفاد فيه وأجاد وأصاب، وأوضح بباهر حججه طريق الصواب، فشكر الله مسعاه، وأدام عليه شآبيب رحمته ورضاه، قال: ومن عجائب الوجود ما تجاسر عليه بعض السدجى من الحنابلة فغبر في وجوه مخدراته الحسان، التي لم يطمثهن إنس من قبله ولا جان، وأتى بما دل على جهله، وأظهر عوار غباوته وعدم فضله، فليته إذ جهل استحيا من ربه، وعساه إذا فرط رجع إلى لبه، ولكن إذا غلبت الشقاوة استحكمت الغباوة، فعياذاً بك اللهم من ذلك، وضراعة إليك أن تديم لنا سلوك أوضح المسالك، هذا ما وقع من ابن تيمية مما ذكر- وإن كان عثرة لا تقال أبداً، ومصيبة يستمر عليه شؤمها دواماً وسرمداً- ليس بعجب، فإنه سولت له نفسه وهواه وشيطانه أنه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب، وما درى المحروم أنه أتى بأقبح المعائب، إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة، وتدارك على أئمتهم- سيما الخلفاء الراشدين- باعتراضات سخيفة شهيرة، وأتى من نحو هذه الخرافات بما تمجه الأسماع، وتنفر عنه الطباع، حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس، المنزه عن كل نقص والمستحق لكل كمال أنفس، فنسب إليه العظائم والكبائر، وخرق سياج عظمته وكبرياء جلالته بما أظهر للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين، حتى قام عليه علماء عصره وألزموا السلطان بقتله، أو بحبسه وقهره، فحبسه إلى أن مات، فخمدت تلك البدع،