بالأعمال الصالحة التي أمر بها وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم ليس هو من باب الإقسام عليه بمخلوقاته.
ومن هذا الباب، استشفاع الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فإنهم يطلبون منه أن يشفع لهم إلى الله كما كانوا في الدنيا يطلبون منه أن يدعو لهم في الاستسقاء وغيره. وقول عمر رضي الله عنه: "إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا". معناه: نتوسل بدعائه وشفاعته وسؤاله، ونحن نتوسل إليك بدعاء عمه وسؤاله وشفاعته، ليس المراد به أنا نقسم عليك به أو ما يجري هذا المجرى مما يفعل بعد موته وفي مغيبه، كما يقول بعض الناس أسألك بجاه فلان عندك، ويقولون: نتوسل إلى الله بأنبيائه وأوليائه، ويروون حديثاً موضوعاً: "إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عريض"1. فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه كما ذكر عمر رضي الله عنه لفعلوا ذلك بعد موته ولم يعدلوا عنه إلى العباس مع علمهم بأن السؤال به والإقسام به أعظم من العباس، فعلم أن ذلك التوسل الذي ذكروه هو مما يفعل بالأحياء دون الأموات، وهو التوسل بدعائهم وشفاعتهم، فإن الحي يطلب منه ذلك والميت لا يطلب منه شيء لا دعاء ولا غيره.
وكذلك حديث الأعمى، فإنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ليرد الله عليه بصره، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أمره فيه أن يسأل الله قبول شفاعة نبيه فيه، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع فيه وأمره أن يسأل الله قبول شفاعته، وأن قوله: "أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة" أي: بدعائه وشفاعته، كما قال عمر: "كنا نتوسل إليك بنبينا" فلفظ التوسل والتوجه في الحديثين بمعنى واحد، ثم قال: "يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها، اللهم فشفعه فيّ". فطلب من الله أن يشفع فيه نبيه، وقوله: "يا محمد يا نبي الله ". هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب، فيخاطب المشهود بالقلب، كما يقول