الإمامة. وقد عرفتم أن أمر المسلمين لا يصلح إلا بإمام، وأنه لا إسلام إلا بذلك، ولا تتم المقاصد الدينية، ولا تحصل الأركان الإسلامية، ولا تظهر الأحكام القرآنية إلا مع الجماعة والإمامة. والفرقة عذاب، وذهاب في الدين والدنيا، ولا تأتي شريعة بذلك قط، ومن عرف القواعد الشرعية، عرف ضرورة الناس، وحاجتهم في أمر دينهم، ودنياهم، إلى الإمامة والجماعة.
وقد تغلب من تغلب في آخر عهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطوه حكم الإمامة 1 ولم ينازعوه، كما فعل ابن عمر وغيره، مع أنها أُخِذت بالقهر والغلبة.
وكذلك بعدهم في عصر الطبقة الثالثة، تغلب من تغلب، وجرت أحكام الإمامة والجماعة 2، ولم يختلف أحد في ذلك، وغالب الأئمة بعدهم على هذا القبيل، وهذا النمط، ومع ذلك فأهل العلم والدين يأتمرون بما أُمروا به بمن المعروف، وينتهون عما نهوا عنه من المنكر، ويجاهدون مع كل إمام؛ كما هو منصوص عليه في عقائد أهل السنة 3 ولم يقل أحد منهم بجواز قتال المتغلب، والخروج عليه، وترك الأمة تموج في مائها، وتستبيح الأموال والحرمات، ويحوس العدو الحربي خلال ديارهم، وينزل بحماهم؛ هذا لا يقول بجوازه وإباحته إلا مصاب في عقله، موتور 4 في دينه وفهمه، وقد قيل:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا 5