قَالَ لي سلمويه قَالَ لي نصر أَن المعتصم أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لَهُ يَا نصر أسمعت قطّ بِأَعْجَب مِمَّن اتخذ فِي هَذَا الْبَلَد بِنَاء وأوطنه لَيْت شعري مَا أعجب موطنه حزونة أرضه أَو كَثْرَة أخافيفه أم كَثْرَة تلاعه وَشدَّة الْحر فِيهِ إِذا حمي الْحَصَى بالشمس

مَا يَنْبَغِي أَن يكون متوطن هَذَا الْبَلَد إِلَّا مُضْطَرّا مقهورا أوردي التَّمْيِيز

قَالَ لي سلمويه قَالَ لي نصر بن مَنْصُور وَأَنا وَالله خَائِف أَن يوطن أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا الْبَلَد فَإِن سلمويه ليحدثني عَن نصر إِذْ رمى ببصره نَحْو الْمشرق فَرَأى فِي مَوضِع الْجَوْسَقِ الْمَعْرُوف بالمصيب أَكثر من ألف رجل يضعون أساس الْجَوْسَقِ

فَقَالَ لي سلمويه أَحسب ظن نصر بن مَنْصُور قد صَحَّ

وَكَانَ ذَلِك فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ

وَصَامَ المعتصم فِي الصَّيف فِي شهر رَمَضَان من هَذِه السّنة

وغدى النَّاس فِيهِ يَوْم الْفطر وَاحْتَجَمَ المعتصم بالقاطول يَوْم سبت وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم آخر يَوْم من صِيَام النَّصَارَى فَحَضَرَ غداءه سلمويه بن بنان واستأذنه فِي الْمصير إِلَى الْقَادِسِيَّة ليقيم فِي كنيستها بَاقِي يَوْمه وَلَيْلَته ويتقرب فِيهَا يَوْم الْأَحَد وَيرجع إِلَى القاطول قبل وَقت الْغَدَاء من يَوْم الْأَحَد فَأذن لَهُ فِي ذَلِك وكساه ثيابًا كَثِيرَة ووهب لَهُ مسكا وبخورا كثيرا

فَخرج منكسرا مغموما وعزم عَليّ بالمصير مَعَه إِلَى الْقَادِسِيَّة فأجبته إِلَى ذَلِك

وَكَانَت عادتنا مَتى تسايرنا قطع الطَّرِيق إِمَّا بمناظرة فِي شَيْء من الْآدَاب وَأما بدعابة من دعابات المتأدبين فَلم يجارني شَيْء من الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَأَقْبل على الفكرة وتحريك يَده الْيُمْنَى وشفته تهمس من القَوْل بِمَا لَا يعلنه فَسبق إِلَى وهمي أَنه رأى من أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي أَمر نَفسه شَيْئا أنكرهُ ثمَّ أَزَال ذَلِك الْوَهم عني إقدامه على الاسْتِئْذَان فِي الْمصير إِلَى الْقَادِسِيَّة وَالثيَاب وَالطّيب الَّذِي جِيءَ بِهِ

فَسَأَلته عَن سَبَب قِرَاءَته وفكرته

فَقَالَ لي سَمِعتك تحكي عَن بعض مُلُوك فَارس قولا فِي الْعقل وَأَنه وَجب أَن يكون أَكثر مَا فِي الْإِنْسَان عقله فأعده عَليّ وخبرني باسم ذَلِك الْملك قَالَ لَهُ قَالَ أنوشروان إِذا لم يكن أَكثر مَا فِي الرجل عقله كَانَ أَكثر مَا فِيهِ برديه فَقَالَ قَاتله الله فَمَا أحسن مَا قَالَ ثمَّ قَالَ أميرنا هَذَا يَعْنِي الواثق حفظه لما يقْرَأ وَيقْرَأ عَلَيْهِ من الْكتب أَكثر من عقله وَأَحْسبهُ قد وَقع فِي الَّذِي يكره وَأَنا استدفع الله فِي المكاره عَنهُ

وَبكى

فَسَأَلته عَن السَّبَب فَقَالَ أَشرت على أَمِير الْمُؤمنِينَ بترك الشّرْب فِي عشيه أمس ليباكر الْحجامَة فِي يَوْمنَا هَذَا على نقاء فَجَلَسَ واحضر الْأَمِير هرون وَابْن أبي داؤد وَعبد الْوَهَّاب ليتحدث مَعَهم فَانْدفع هرون فِي عهد أردشير بن بابك وَأَقْبل يسْرد جَمِيع مَا فِيهِ ظَاهرا حَتَّى أَتَى على الْعَهْد كُله فتخوفت عَلَيْهِ حسد أَبِيه لَهُ على جودة الْحِفْظ الَّذِي لم يرْزق مثله وتخوفت عَلَيْهِ إمْسَاك أَبِيه مَا حد أردشير بن بابك فِي عَهده من ترك إِظْهَار الْبيعَة لوَلِيّ عَهده

وتخوفت عَلَيْهِ مَا ذكر أردشير فِي هَذَا الْبَاب من ميل النَّاس نَحْو ولي الْعَهْد مَتى عرفُوا مَكَانَهُ وتخوفت عَلَيْهِ مَا ذكر أردشير من أَنه لَا يُؤمن اضطغان ولي الْعَهْد على أَسبَاب وَالِده مَتى علم أَنه الْملك بعد أَبِيه وَأَنا وَالله عَالم بِأَن أقل مَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015