ابن قتيبه على هذا القول وبغداد آنذاك مقرّ الثقافة الإسلامية المزدهرة ومركز مرموق للحياة الأدبية والعقلية معا؟
وإذا لم تنحصر موضوعات «عيون الأخبار» «1» في القرآن والسّنّة وشرائع الدين وعلم الحلال والحرام فإنها- كما يقول ابن قتيبة- مرشدة لكريم الأخلاق، زاجرة عن الدناءة، ناهية عن القبيح، باعثة على صواب التدبير؛ لأنّ علم الدين والحلال والحرام تقليد لا يجوز أن نأخذه إلّا عمّن نراه حجّة.
كذلك لم يكن كتابه هذا وقفا على طالب الدنيا دون طالب الآخرة، ولا على خواص الناس دون عوامّهم، ولا على ملوكهم دون سوقتهم، بل وفّى كلّ فريق منهم قسمه. ولكي يروّح عن القارىء من كدّ الجدّ، ضمّن هذا الكتاب نوادر طريفة وكلمات مضحكة تدخل في باب المزاح والفكاهة. يقول: «مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين» .
وكان ابن قتيبة يتلقّط أخباره عن جلسائه وإخوانه وعمّن فوقه في السنّ والمعرفة، كما وقف على كتاب التاج، وكتاب الآيين، وكتاب إبرويز، وآداب ابن المقفع، وكتب الهند ولكن دون أن يذكر اسما لكتاب هندي اعتمد عليه.
يقول مثلا: «قرأت في كتاب للهند إنّ فلانا ... » كما اعتمد على أقوال علي ابن أبي طالب، رضي الله عنه، وعلى أقوال بزرجمهر، وإسحاق بن راهويه، وأبي حاتم السّجستاني، وأحمد بن الخليل، وعبد الرحمن بن عبد المنعم، وأبي سهل، وعبد الملك بن مروان، وميمون بن ميمون، والمدائني، وأبي عبّاد الكاتب، وابن الأعرابي، ومحمد بن عبيد، ومحمد بن داود، وعلي بن محمد، وابن سيرين وغيرهم. وقد لجأ إلى الإتيان بأخبار وأشعار اتّضعت عن