لِنَجْلِسَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَهَا أَبُو مَعْبَدٍ الْمِقْدَادُ، وَكَانَ كَرِيمًا عَلَى الطَّعَامِ، فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى نَهَلُوا [1] ، وَرُدَّتْ إِلَيْنَا الْقَصْعَةُ وَفِيهَا أَكْلٌ، فَجَمَعْنَا تِلْكَ الأَكْلَ فِي قَصْعَةٍ صَغِيرَةٍ،
ثُمَّ بَعَثْنَا بِهَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مَعَ سِدْرَةِ مَوْلاتِي، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضُبَاعَةُ أَرْسَلَتْ بِهَذَا» ؟ قَالَتْ سِدْرَةُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «ضَعِي» ثُمَّ قَالَ:
«مَا فَعَلَ ضَيْفُ أَبِي مَعْبَدٍ» قُلْتُ: عِنْدَنَا، فَأَصَابَ مِنْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ حَتَّى نَهَلُوا وَأَكَلَتْ مَعَهُمْ سِدْرَةُ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبِي بِمَا بَقِيَ إِلَى ضَيْفِكُمْ»
قَالَتْ سِدْرَةُ: فَرَجَعْتُ بِمَا بَقِيَ فِي الْقَصْعَةِ إِلَى مَوْلاتِي قَالَتْ: فَأَكَلَ مِنْهَا الضَّيْفُ مَا أَقَامُوا، نَرْدُدُهَا عَلَيْهِمْ وَمَا تَغِيضُ حَتَّى جَعَلَ الضَّيْفُ يَقُولُونَ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ إِنَّكَ لَتَنْهَلُنَا مِنْ أَحَبِّ الطَّعَامِ إِلَيْنَا، وَمَا كُنَّا نَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ هَذَا إِلَّا فِي الْحِينِ، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ بِلادَكُمْ قَلِيلَةُ الطَّعَامِ، إِنَّمَا هُوَ الْعَلَقُ [2] أَوْ نَحْوُهُ، وَنَحْنُ عِنْدَكَ فِي الشَّبَعِ، فَأَخْبَرَهُمْ أَبُو مَعْبَدٍ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا أَكْلا وَرَدَّهَا، فَهَذِهِ بَرَكَةُ أَصَابِعِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَقُولُونَ: نَشْهَدُ أَنَّهُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وَازْدَادُوا يَقِينًا، وَذَلِكَ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، وَأَقَامُوا أَيَّامًا، ثُمَّ جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَدَّعُوهُ، وَأَمَرَ لَهُمْ بِجَوَائِزِهِمْ، ثُمَّ انصرفوا إلى أهليهم.