عيون الاثر (صفحة 633)

إِذَا قَدِمُوا الطَّائِفَ، أَرَادَ الْمُغِيرَةُ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَا سُفْيَانَ، فَأَبَى ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ:

ادْخُلْ أَنْتَ عَلَى قَوْمِكَ، وَأَقَامَ أَبُو سفيان بماله بِذِي الْهرم، فَلَمَّا دَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلاهَا لِيَضْرِبَهَا بِالْمِعْوَلِ، وَقَامَ قَوْمُهُ دُونَهُ بَنُو مُعَتِّبٍ خَشْيَةَ أَنْ يُرْمَى أَوْ يُصَابَ كَمَا أُصِيبَ عُرْوَةُ، وَخَرَجَ نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسَّرًا يَبْكِينَ عَلَيْهَا [1] . وَيَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةُ يَضْرِبُهَا بِالْفَأْسِ: وَاهًا لَكَ، وَاهًا لَكَ، فَلَمَّا هَدَمَهَا الْمُغِيرَةُ، وَأَخَذَ مَالَهَا وَحُلِيَّهَا، أَرْسَلَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وحليها مجموع، ومالها من الذهب والفضة والجذع،

وَقَدْ كَانَ أَبُو مَلِيحِ بْنُ عُرْوَةَ وَقَارِبُ بْنُ الأَسْوَدِ، قَدِمَا عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفْدِ ثَقِيفٍ حِينَ قُتِلَ عُرْوَةُ يُرِيدَانِ فِرَاقَ ثَقِيفٍ، وَأَنْ لا يُجَامِعَاهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، فَأَسْلَمَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَوَلَّيَا مَنْ شِئْتُمَا فَقَالَا: نَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَخَالَكُمَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ» فَقَالا: وَخَالَنَا أَبَا سُفْيَانَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ، وَوَجَّهَ أَبَا سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةَ إِلَى هَدْمِ الطَّاغِيَةِ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو مَلِيحِ، ابن عُرْوَةَ أَنْ يَقْضِيَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ دَيْنًا كان عليه من مال الطاغية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» فَقَالَ لَهُ قَارِبُ بْنُ الأَسْوَدِ: وَعَنِ الأَسْوَدِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِهِ، وَعُرْوَةُ وَالأَسْوَدُ أَخَوَانِ لأَبٍ وَأُمٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الأَسْوَدَ مَاتَ مُشْرِكًا» فَقَالَ قَارِبٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَكِنْ تَصِل مُسْلِمًا ذَا قَرَابَةٍ [2] يَعْنِي نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا الدَّيْنُ عَلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا أُطْلَبُ بِهِ، فَأَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سُفْيَانَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ عُرْوَةَ وَالأَسْوَدَ مِنْ مال الطاغية، فقضى [3] .

وَكَانَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كَتَبَهُ لَهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ محمد رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ عَضَاهُ وَجٌّ [4] ، وَصَيْدُهُ لا يُعْضَدُ، مِنْ وُجِدَ يَفْعَلُ شَيْئًا من ذلك فإنه يجلد وينزع ثِيَابُهُ، فَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فَيَبْلُغُ به النبي محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وَأَنَّ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكتب خَالِدُ بْنُ سعد بْنِ الْعَاصِ بِأَمْرِ الرَّسُولِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلا يَتَعَدَّاهُ أَحَدٌ فَيَظْلِمُ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015