أَبِي الْعَاصِ بْنِ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ دَهْمَانَ أخا بني ياسر وَأَوْسَ بْنَ عَوْفٍ، أَخَا بَنِي سَالِمٍ، وَنُمَيْرَ بن خرشة بن ربيعة أخا بين الْحَارِثِ، فَخَرَجَ بِهِمْ [1] ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ وَنَزَلُوا قَنَاةً، أَلِفُوا بِهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَاشْتَدَّ لِيُبَشِّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ [2] ، فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لا تَسْبِقْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ فَفَعَلَ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدُومِهِمْ عليه، ثُمَّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فروح الظُّهْر مَعَهُمْ، وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُحَيُّونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُرِبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ كَمَا يَزْعُمُونَ، فَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ هُوَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمْ وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى اكْتَتَبُوا كِتَابَهُمْ، وَكَانَ خَالِدٌ الَّذِي كَتَبَهُ [3] ، وَكَانُوا لا يَطْعَمُونَ طَعَامًا يَأْتِيهِمْ مِنْ عِنْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يَأْكُلَ مِنْهُ خَالِدا حَتَّى أَسْلَمُوا، وَقَدْ كَانَ فِيمَا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدَعَ لَهُمُ الطَاغِيَةَ، وَهِيَ اللَّاتُ، لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَمَا بَرِحُوا يَسْأَلُونَهُ سَنَةً وَسَنَةً وَيَأْبَى عَلَيْهِمْ، حَتَّى سَأَلُوهُ شَهْرًا وَاحِدًا بَعْدَ قُدُومِهْم فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَدَعَهَا شَيْئًا مُسَمَّى، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِيمَا يُظْهِرُونَ أَنْ يُسْلِمُوا بِتَرْكِهَا مِنْ سُفَهَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُرَوِّعُوا قَوْمَهُمْ بِهَدْمِهَا حَتَّى يَدْخُلَهُمُ الإِسْلامُ، فَأَبَى رسول الله إِلَّا أَنْ يَبْعَثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَيَهْدِمَاهَا، وَقَدْ كَانُوا سَأَلُوهُ مَعَ تَرْكِ الطَّاغِيَةِ أَنْ يَعْفِيَهُمْ مِنَ الصَّلاةِ، وَأَنْ لا يُكَسِّرُوا أَوْثَانَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا كَسْرُ أَوْثَانِكُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَسَنَعْفِيكُمْ مِنْهُ، وَأَمَّا الصَّلاةُ فَإِنَّهُ لا خَيْرَ فِي دِينٍ لا صَلاةَ فِيهِ [4]
فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَكتب لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُمْ، أَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَصَهُمْ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الإِسْلامِ وَتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ أَمْرِهِمْ وَتَوَجَّهُوا إِلَى بِلادِهِمْ رَاجِعِينَ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فِي هَدْمِ الطاغية، فخرجا مع القوم حتى