«دَعُوهُمْ»
فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إِلَّا قُتِلَ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ، فَكَانَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ قَالَ: لا وَالَّذِي نَجَّانِي مِنْ يَوْمِ بدر.
قال: [1] وحدثني أبي رحمه الله إسحق بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: [2] لَمَّا اطْمَأَنَّ الْقَوْمُ: بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ فَقَالُوا: احْزِرْ لَنَا أَصْحَابَ مُحَمَّد، فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رَجُلٍ، يَزِيدُونَ قَلِيلا أَوْ يَنْقُصُونَ، وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتَّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَد قَالَ: فَضَرَبَ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى أبعدَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا [3] ، وَلَكِنِّي قَدْ رَأَيْتُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ الْبَلايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النَّاقِعَ، قَوْمٌ لَيْسَ لَهُمْ [4] مَنَعَةٌ وَلا مَلْجَأٌ إِلَّا سُيُوفُهُمْ، وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رجل منهم حتى يقتل رجلا مِنْكُمْ، فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ عدادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَرُوا رَأْيَكُمْ، فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النَّاسِ، فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ:
إِنَّكَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا وَالْمُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ لا تَزَالَ تُذْكَرُ مِنْهَا بِخَيْرٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ قَالَ: وَمَا ذَلِكَ يَا حَكِيمُ؟ قَالَ: تَرْجِعُ بِالنَّاسِ وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِكَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: قَدْ فعلت، أنت عليّ بذلك، إِنَّمَا هُوَ حَلِيفِي، فَعَلَيَّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيب من ماله، فأت ابن الحنظلة (يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ) [5] . ثُمَّ قَامَ عُتْبَةُ خَطِيبًا فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلْقُوا مُحَمَّدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَاللَّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ لَا يَزَالُ رَجُلٌ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ، قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ وَابْنَ خَالِهِ وَرَجُلا مِنْ عَشِيرَتِهِ، فَارْجِعُوا وَخَلُّوا بَيْنَ مُحَمَّد وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ أَصَابُوهُ فَذَاكَ الَّذِي أَرَدْتُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون.