زاد حزني وألمي وشعوري بالعجز عن تلبية نداء هذا الشاب .. فماذا نفعل يا رب، والأمر قد استفحل، والنار قد شبت في ديارنا، ولا نستطيع إطفاؤها؟!
حاولت أن أنسى ما سمعته ورأيته لا سيما وقد استقر في داخلي بأنني لن أستطيع أن أفعل شيئًا، وإذا بالنار تزداد اشتعالا، فما من نشرة للأخبار أشاهدها في الآونة الأخيرة إلا وأرى فيها مآسٍ ومآسٍ جديدة للمسلمين، بل هناك جزء في النشرة مخصص لعرض مأساة العراق وصور القتلى من المسلمين الذين وصل عددهم إلى مئات الآلاف.
وفي النشرة كذلك جزء ثابت مخصص لفلسطين .. وما أدراك ما فلسطين!
فالبيوت تُهدم بالجرافات على رءوس أهلها .. والرصاص يخترق أجساد الصغار، والشهداء يتساقطون بالعشرات .. والذل والهوان والضياع والتشريد لا يمكن للعبارات أن تصفه.
مآسٍ هنا وهناك ولا ندري ما هي النهاية؟
سألت نفسي: ولكن أليس الله بقدير؟ أليس الله بجبار؟!
أليس سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؟! فلماذا يتركنا هكذا نتجرع كؤوس الذل والهوان؟!
لقد رأينا آثار الزلزال الذي حدث في المحيط الهندي (تسونامي) وأثمر عن فيضانات واسعة عنيفة أودت بحياة عشرات الآلاف، وأزالت جزرًا وقرى بأكملها من الوجود.
رأينا فيه قدرة المقتدر التي تتضاءل وتتلاشى بجوارها أي قدرة مزعومة أخرى.
سألت نفسي: لماذا لا يُرسل الله عز وجل مثل هذا الزلزال على اليهود والأمريكان فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ويخلصنا منهم و من شرورهم؟!
تزاحمت على ذهني الأسئلة: ألسنا مسلمين؟! أليس الكثير منا يصلي ويصوم؟! ألسنا ندعو الله ونتضرع إليه بأن يكشف عنا الغمة؟! فلماذا لم يستجب دعاءنا وهو القادر على نصرتنا في لمح البصر؟!
فكرت كثيرًا عن مصدر يجيب عن أسئلتي، فقفزت إلى خاطري فكرة البحث عن الإجابة في القرآن, أليس القرآن هو كلام الله؟! ألم يقل لنا ربنا: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10]؟
أقبلت على القرآن باحثًا عن بُغيتي، ففوجئت بأن الإجابة فيه واضحة تمام الوضوح، ليس فيها لبس ولا غموض، فالله عز وجل قادر مقتدر {وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} [الرعد: 11]. يستطيع أن يغير ما حاق بنا في لمح البصر {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].
ومع ذلك فقد أخبرنا القرآن بان الله عز وجل لن يفعل لك إلا إذا قام المسلمون أولا بتغيير ما بأنفسهم من اعوجاج، والتزموا منهجه، واستقاموا على أمره {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
فالأمر واضح وجلي: إن أردنا استجلاب النصر الإلهي فلا بديل عن تنفيذ أوامر الله، ونصرته سبحانه على أنفسنا {إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
وفي المقابل فإن ما يحدث لنا ما هو إلا عقوبة من الله عز وجل نتيجة طبيعية لما فعلناه {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165].
فالمعاصي التي نرتكبها، والأوامر التي نخالفها .. كل هذا أدى إلى غضب الله علينا، ومن ثم استدعاء العقوبة {وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللهِ} [النحل: 94].