إذن فما نذوقه من سوء وذل وهوان ما هو إلا نتيجة ما فعلناه، ولا ينبغي لمن ارتكب المخالفة أن يستغرب العقوبة، فإن كان الشك يساورك من هذا التشخيص فانظر إلى شوارعنا وما فيها من مظاهر للتفسخ الأخلاقي، وانظر إلى الفضائيات وما تبثه من دعوة للفحش والفجور، وتأمل حجم المعاملات الربوية التي تتعامل بها بنوكنا.
أليس الغش والكذب والرشوة منتشرة في ربوع بلادنا؟!
أليست موالاة الكافرين والتقاعس عن نصرة المستضعفين من المسلمين أمر واقع بيننا؟!
فلماذا إذن نستغرب العقوبة؟
لماذا نستغرب عدم إجابة الله لدعائنا ونصرته لنا؟!
فما يحدث إذن في فلسطين والعراق والسودان وإندونيسيا وسائر بلاد المسلمين, لنا دور أساسي في حدوثه بأفعالنا وبما كسبت أيدينا، وإن استمر الوضع قائمًا, وإن استمرت المعاصي يُجهر بها في بلادنا فالعقوبة ستتضاعف، وقد نفاجأ بين ليلة وضحاها بمجلس الأمن يصدر قرارًا باحتلالنا تحت أي مسمى؛ خدمة للمشروع الصهيوني، وتمكينًا له، فنصبح في يوم وليلة بالعراء فنفقد بيوتنا ووظائفنا، ويضيع مستقبل أولادنا الذي ضحينا بالكثير من أجله، وتصبح نساؤنا سبايا وخدمًا لبني صهيون.
سألت نفسي: ولكننا لسنا جميعًا نرتكب المعاصي، ففينا الصالحون والصائمون القائمون، الذاكرون الله كثيرًا .. فلماذا يشملهم العقاب الإلهي؟
بحثت في القرآن عن إجابة لهذا السؤال، فوجدت أن الخطاب فيه موجه إلى المسلمين بصيغة الجمع لا بصيغة المفرد، مثل: يا أيها الذين آمنوا .. انفروا ... أنفقوا ... فالله عز وجل يتعامل مع الأمة الإسلامية ككيان وجسد واحد لا بد أن تصح وتسلم جميع أجزائه معًا. معني ذلك أن صلاح أي جزء مرتبط بصلاح الكل، أو بعبارة أخرى فإن صلاح الفرد في نفسه لا بد أن يصاحبه عمل يهدف إلى إصلاح الأمة جمعاء وإلا فسيكون العقاب الذي يصيب الجميع بلا استثناء {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25].
وهذا ما حدث بالفعل.
قفز إلى ذهني سؤال آخر وهو: لماذا نعاقب نحن بهذه العقوبات الأليمة دون غيرنا من الأمم والتي تفعل من المعاصي أضعاف أضعاف ما نفعل؟!
وجدت الإجابة في قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] فالله عز وجل اختص هذه الأمة بالرسالة الخاتمة وائتمنها عليها، وطالبها بأن تقوم بما فيها، وتبلغها لسائر الأمم لاستنقاذها من الضلال والنار.
مهمة عظيمة حمّلها الله لأمة الإسلام ألا وهي القيام بدور الشهادة على الناس ودعوتهم إلى الله، ومن أجل ذلك فضل الله الأمة الإسلامية على سائر الأمم {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران: 110].
وللأسف الشديد ضيعنا الأمانة، فلم نقمها في أنفسنا، ولم نبلغها لغيرنا، فصار العقاب لزامًا علينا، وقد كان.