فإذا ما انطلقنا نحو القرآن بهذه النظرة علينا أن نقوم بتنفيذ الأمرين اللذين أمرنا الله بهما عند قراءتنا للقرآن.
الأمر الأول: الترتيل {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 4].
الأمر الثاني: تدبر الآيات، أو بمعنى آخر فهم واستيعاب ما نقرأ منها {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [ص: 29].
فالتدبر هو إعمال العقل فيما نقرأ لفهم المراد من الآيات مثلما نُعمل عقولنا عند قراءة أي كلمات لكي نفهم المراد منها.
والترتيل هو تبيين الحروف وقراءتها بتؤدة، والتغني بها، وأهم وظيفة للترتيل هي الطرق على المشاعر والعمل على استثارتها، فإذا ما اقترن الترتيل بالتدبر، أي تجاوبت المشاعر وتعانقت مع الفهم الناتج من تدبر الآيات كانت النتيجة دخول نور الإيمان إلى القلب، ومن ثم زيادة الإيمان فيه.
أي أن الهدف من قراءة القرآن ينبغي أن يكون الفهم والتأثر، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة الاستمرار على ذلك حتى تتم التذكرة الدائمة، ويتولد الإيمان باستمرار، وهذا يستدعي منا القراءة اليومية الطويلة للقرآن، وأن نقرأه بهدوء وترتيل وصوت مسموع، وألا يكون همنا متى سننتهي من السورة أو الجزء، ولكن ينبغي أن يكون همنا متى سنتأثر ونتجاوب مع الآيات.
ولأن التأثر الإيماني لن يتم إلا إذا فهمنا ما نقرأ، لذلك علينا إعمال عقولنا في الآيات التي نقرؤها، وأن نقرأ الآيات بصوت حزين وتباك، فإن ذلك من شأنه الضغط على المشاعر واستجماعها وتأجيجها.
فإذا ما حدث التأثر بآية أو آيات علينا بتكرارها حتى نزداد من خلالها إيمانا (?).
قال حذيفة بن اليمان: اقرءوا القرآن بُحزن، ولا تجفوا عنه، وتعاهدوه، ورتلوه ترتيلا.
وهكذا تبدأ العودة الصحيحة للقرآن، لتظهر الثمار بعد ذلك: إيمانا حيا في القلوب يدفع صاحبه دفعا للعمل الصالح وفي كل الاتجاهات، فتسري الروح مرة أخرى في جسد الأمة وينصلح حالها، فيرضى الله عنها ويوفي بوعده الذي قطعه على نفسه {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 105، 106].