إن الإصلاح ـ كما يفهمه المسلمون الصادقون لا كما يروّج أعداء الإسلام ـ هو الغاية من إرسال الله تعالى الرسل إلى الناس قال شعيب عليه السلام لقومه الغارقين في الضلال والفساد في العقيدة والسلوك: ((قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)) (هود، الآية: 88).

وقد اضطلع بمهمة الإصلاح لشؤون البشر ـ بعد مصلح الإنسانية الأعظم محمد ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ وسار على منهاج النبوة خلفاؤه الراشدون، وعلماء الأمة الأبرار كعمر بن عبد العزيز، والأمة الآن في أشد الحاجة لمعرفة هدي المصلحين ابتداء من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد اصابها التخلف والتيه والتفرق والضعف والاستكانة،

إن فقه حركة التاريخ الإسلامي يرشدنا إلى أن عوامل النهوض وأسباب النصر كثيرة منها صفاء العقيدة، ووضح المنهج، وتحكيم شرع الله في الدولة، ووجود القيادة الربانية التي تنظر بنور الله وقدرتها في التعامل مع سنن الله في تربية الأمم وبناء الدول وسقوطها، ومعرفة علل المجتمعات وأطوار الأمم، وأسرار التاريخ، ومخططات الأعداء من الصليبيين واليهود والملاحدة والفرق الباطنية، والمبتدعة وإعطاء كل عامل حقه الطبيعي في التعامل معه، فقضايا فقه النهوض، والمشاريع النهضوية البعيدة المدى متداخلة متشابكة لا يستطيع استيعابها إلا من فهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وارتبط بالفقه الراشدي المحفوظ عن سلفنا العظيم، فعلم معالمه وخصائصه وأسباب وجوده وعوامل زواله واستفاد من التاريخ الإسلامي وتجارب النهوض، فأيقن بأن هذه الأمة ما فقدت الصدارة قط وهي وفية لربها ونبيها صلى الله عليه وسلم وعلم بأن الهزائم العسكرية عرض يزول، أما الهزائم الثقافية فجرح مميت، والثقافة الصحيحة تبني الإنسان المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، والدولة المسلمة، على قواعدها المتينة من كتاب الله وسنة رسوله، وهدى الخلفاء الراشدين، ومن سار على نهجهم، وعبقرية البناء الحضاري الصحيح هي التي أبقت صرح الإسلام إلى يومنا هذا بعد توفيق الله وحفظه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015