التجارة، وفتح قنوات الاتصال بين الوالي والرعية، ومحاسبته لولاة من قبله عن أموال بيت المال، وتطرقت إلى مفهوم المركزية واللامركزية في إدارة عمر بن عبد العزيز واهتمامه بمبدأ المرونة، وتوظيفه للوقت في خدمة الدولة والرعية، وممارسته لمبدأ تقسيم العمل في الإدارة وحرصت على بيان بواعث عمر بن عبد العزيز في إصلاحه وتجديداته، المالية والسياسية والإدارية، .. الخ وأشرت إلى حرصه على تنفيذ أحكام الشريعة على الدولة والأمة والمجتمعات والأفراد وأشرت إلى آثار التمسك بأحكام القرآن الكريم والسنة النبوية وهدي الخلافة الراشدة على دولته، من التمكين والأمن والاستقرار، والنصر والفتح، والعز والشرف وبركة العيش ورغده وعشت مع الأيام الأخيرة من حياة هذا المصلح الكبير حتى وفاته.
إن ظهور عمر بن عبد العزيز في تلك المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ الأمة ومحاولته العظيمة للعودة بالحياة إلى تحكيم الشريعة وآفاق الخلافة الراشدة الملتزمة بمعطيات القرآن والسنة، ظاهرة فذة تحمل في دلالتها ليس على بطولة القائد فحسب، وإنما على قدرة الإسلام نفسه على العودة باستمرار لقيادة الحياة السياسية والتشريعية والحضارية في نهاية الأمر وصياغتها بما ينسجم ومبادئه الأساسية (?).
إن خلافة عمر بن عبد العزيز حجة تاريخية على من لا يزال يردد الكلمات والأصوات القائلة: إن الدولة التي تقوم على الأحكام الإسلامية والشريعة عرضة للمشاكل والأزمات وعرضة للإنهيار في كل ساعة، وإنها ليست إلا حُلماً من الأحلام ولا يزال التاريخ يتحدى هؤلاء ويقول لهم: ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) (البقرة، الآية: 111).
ولقد سار نور الدين زنكي المتوفى عام 568 على منهج عمر بن عبد العزيز وأخذه نموذجاً ومثالاً له في القدوة والتأسي، فآتت محاولته الإصلاحية ثمارها للأمة وساهمت في نهوضها وعودة الوعي لها وتغلبت على أعدائها الصليبيين وطهرت بيت المقدس على يدي تلميذه، القائد الأشم، البطل المغوار صلاح الدين الأيوبي، كثر الله من أمثاله في جيلنا.