عرضة للمشاكل والأزمات وعرضة للإنهيار في كل ساعة، وأنها ليست إلا حلماً من الأحلام ولا يزال التاريخ يتحدى هؤلاء ويقول لهم (?): ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) (البقرة، الآية: 111).
ومما أدهشني في دراستي التاريخية تواصل الأجيال الإسلامية فيما بينها عبر حلقات متماسكة تؤثر بعضها في بعض فالسلطان نور الدين زنكي المتوفي (568هـ) كتب له الشيخ العلامة أبو حفص معين الدين عمر بن محمد بن خضر الإربلي سيرة عمر بن عبد العزيز لكي يسير نور الدين على منهاجها ولقد آتت معالم الإصلاح والتجديد الراشدي في عهد عمر بن عبد العزيز ثمارها في الدولة الزنكية عندما وجدت العالم الكبير الذي رسم ملامح المشروع الإصلاحي وهو الشيخ أبو حفص معين الدين، وأقتنع القائد العسكري والزعيم السياسي بسلامة المنهج وهو نور الدين زنكي، فقد قال: أبو حفص في مقدمة كتابه ـ عن عمر بن عبد العزيز وتقديمه ذلك الكتاب لنور الدين: .. علماً منه أن الإقتداء عن سلف الفضلاء والعقلاء يكمل الأجر ويبقي الذكر، وإتباع سنن المهديين الراشدين يصلح السريرة ويحسن السيرة، وأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه (صلى الله عليه وسلم) بالإقتداء عن سلف من الأنبياء فقال عز من قائل: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)) (الأنعام، الآية: 90)، وقال تعالى ((وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)) (هود، الآية: 120). فلذلك إشتد حرصه ـ أدام الله سعادته ـ على جمع السير الصالحة والآثار الواضحة، فحينئذ رأيت حقاً علي بذل الوسع في مساعدته وإستنفاذ القوة في معاضدته بحكم صدق الولاء وأكيد الإخاء فصرفت وجه همتي إلى جمع سيرة السعيد الرشيد عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ والتجأت إلى الله الكريم جل أسمه أن يحسن معونتي ويُيسِّر ما صرفت إليه عزيمتي، فحين شرح الله صدري لذلك ولاحت أمارات المعونة، بادرت إلى جمع هذه السيرة برسم خزانته المعمورة معاونة على البر والتقوى (?).
لقد قدم هذا الشيخ الجليل منهاجاً علميا لنور الدين زنكي من خلال سيرة عمر بن عبد العزيز، فبنى دولة العقيدة، وحكم الشريعة وأقام العدل ورفع الضرائب والمكوس عن الأمة، وعمل