قاضي ليحكم في هذه القضية وقد مرت معنا، وفي هذه الحادثة أدرك عمر بن عبد العزيز مبدأ الفصل بين السلطات على أتم وجه ذلك بأنه حينما عرف مظلمة أهل سمرقند لم يبث هو بها، مع أنه كان يسعه ذلك، وهو خليفة المسلمين ولم يعهد بذلك إلى عامله على سمرقند سليمان بن أبي السرى، مخافة أن يجمع به الهوى، أو أن تأخذه العزة بالإثم، ولأنه عامل بإسم الخليفة الذي أبى هو نفسه أن يبث بالخلاف، ولم يفوض ذلك إلى القائد العسكري، بل أمر بأن يجلس لهم القاضي لأن القاضي لا يتأثر بالإعتبارات العكسرية أو السياسية، ولا يأبه إلا لحكم الله، يطبق أوامر الشريعة كما وردت، وهكذا تحقق ظن عمر بن عبد العزيز، وحكم القاضي بأن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم، أي أنه أمرهم بالجلاء، لأن الإحتلال وقع بصورة غير مشروعة (?). كما شملت تطبيقات عمر للتنظيم بيت الخلافة، فقد أعاد تنظيمه بما يتوافق مع نظرته في أنه واحد من عامة المسلمين وأنه ليس في حاجة إلى أبهة الملك، فانصرف عن كل مظاهر الخلافة التي سادت قبله، وألغى بعض الوظائف، كصاحب الشرطة الذي يسير بين يدي الخليفة بالحربة، كعادته مع الخلفاء السابقين له وقال له عمر: تنح عني مالي ولك؟ إنما أنا رجل من المسلمين ثم سار وسار معه الناس (?).

سادساً: الوقاية من الفساد الإداري في عهد عمر بن عبد العزيز:

سعى عمر بن عبد العزيز لتحقيق السلامة من الفساد الإداري، بالحرص على سبل الوقاية منه، وسد المنافذ على السموم الإدارية مثل الخيانة، والكذب والرشوة والهدايا للمسئولين والأمراء والإسراف وممارسة الولاة والأمراء للتجارة وإحتجاب الولاة والأمراء عن الناس ومعرفة أحوالهم، والظلم للناس والجور عليهم وغير ذلك وإليك شئ من التفصيل:

1 ـ التوسعة على العمال في الأرزاق:

كان أول إجراء إداري رأى فيه عمر الوقاية من الخيانة أن وسع على العمال في العطاء، رغم تقتيره على نفسه وأهله وأراد بذلك أن يغنيهم عن الخيانة (?)، فقد كان يوسع على عماله في النفقة، يعطي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015