والإدارية، وغيرها .. حتى خلف رحمه الله كماً هائلاً من تلك السياسات التي تمثل مواد نظام حكمه الإصلاحي الشامل، وقد بعث لهذه السياسات إلى عماله لتنفيذها في مختلف الأقاليم وكثيراً ما يردفها بتوجيهات تربوية يذكر فيها عماله بعظم الأمانة الملقاة على عواتقهم، ويخوفهم بالله ويأمرهم بمراقبته وتقواه فيما يعملون ويذرون (?)، وقد كان لمواعظ عمر وتوجيهاته أثر في نفوس عماله أشد من وقع السياط، وأبلغ من أوامر العزل والإعفاء، فكتب مرة إلى أحدهم: يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون أخر العهد وإنقطاع الرجاء.
فلما قرأ عامله الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر، فقال له: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك لا أعود إلى ولاية أبداً حتى ألقى الله تعالى (?)، ولم يكتف عمر ببعث تلك السياسات والتوجيهات إلى عماله، بل كان يحرص على متابعة تنفيذها، وتحقق آثارها على رعيته. فلا يفتأ يسأل القادمين عن ذلك، فقال زيا د بن أبي زيا د المدني حين قدم على عمر من المدينة: فسألني عن صلحاء أهل المدينة ورجالهم ونسائهم. .. وسألني عن أمور كان أمر بها بالمدينة فأخبرته (?). وخرج عمر بن عبد العزيز يوماً فركب هو ومزاحم، وكان كثيراً ما يركب فيلقى الركبان ويتحسس الأخبار عن القرى، فلقيهما راكب من أهل المدينة وسألاه عن الناس وما وراءه، فقال لهما: إن شئتما جمعت لكما خبري وإن شئتما بعضته تبعيضاً، فقالا: بل أجمعه، فقال: إني تركت المدينة والظالم بها مقهور، والمظلوم بها منصور والغني موفور، والعائل مجبور، فسر عمر بذلك وقال: والله لأن تكون البلدان كلها على هذه الصفة أحب إلي مما طلعت عليه الشمس (?). وحين قدم عليه رجل من خراسان وأراد العودة إلى بلاده طلب من عمر أن يحمله على البريد، فقال له عمر وقد إطمأن لسيرته: هل لك أن تعمل لنا عملاً وأحملك؟ فقال الرجل نعم. فقال عمر: لا تأت على عامل لنا إلا نظرت في سيرته، فإن كانت حسنة لم تكتب بها , وإن كانت قبيحة كتبت بها. قال مزاحم: فمازال كتاب منه يجيئنا في عامل فنعزله حتى قدم خراسان (?).