وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)) (النمل، الآية: 40). وكانت هذه الرسالة عقب توليه الخلافة مباشرة، في حين لا تزال فترة النعيم والرفاهية قائمة، إذ إتبع أسلوباً تربوياً رائعاً في ذلك، حيث أخذ الأمر بالتدرج، فأشعره بأن الغنى وكثرة المال ابتلاء من الله عز وجل، ثم أمره بالاقتصاد فيما هو فيه من الغنى، ثم قرن الأمر بالتواضع لله وأخيراً أكد على ضرورة أداء حق الله، من زكاة الأموال والصدقات وامتثال أمر الله عز وجل (?). وفي موقف آخر، إذ بلغه رحمه الله إن ابناً له إتخذ خاتماً، واشترى لهذا الخاتم فصاً بألف درهم، فكتب إليه عمر: أما بعد: فقد بلغني أنك اشتريت فصَّاً بألف درهم، فبعه، وأشبع ألف جائع، واتخذ خاتماً من حديد صيني، واكتب عليه: رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه (?). ونلاحظ أن عمر ربط أمره ببيع الفص بوجود جائعين وحاجتهم للإشباع ليكون ذلك أجدى لإدراك مغزى الأمر، والتحري في إنفاق الأموال مستقبلاً، وليكن أمر الفقراء والمساكين نصب أعين أبنائه دائماً (?)،

وذات يوم طلب أحد أبناء عمر بن عبد العزيز إلى أبيه أن يزوجه، وأن يُصدق عنه من بيت المال ـ وقد كان لابنه ذلك امرأة ـ فغضب رضي الله عنه لذلك، وكتب يقول: لقد أتاني كتابك تسألني أن أجمع لك بين الضرائر من بيت المال، وأبناء المسلمين لا يجد أحدهم امرأة يستعف بها، فلا أعرفن وما كتبت بمثل هذا .. ثم كتب إليه أن أنظر إلى ما قبلك من نحاسنا ومتاعنا فبعه، واستعن بثمنه على ما بدا لك (?). ولم يقتصر الأمر على الذكور من أولاده، بل شمل الذكور والإناث على ذلك أن ابنة لعمر بن عبد العزيز يقال لها ((أمينة)) مرت به يوماً، فدعاها عمر: يا أمينة، فلم تجبه فأمر بها، فقال: ما منعك أن تجيبي؟ فقالت إني عارية ـ أي ملابسها ليست حسنة ـ فقال: يا مزاحم: انظر إلى تلك الفرش التي فتقناها، فاقطع لها منها قميصاً (?)، هذا عن كساء بنات عمر، أما عن طعامهن، فيروى ابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015