مصلحَة شرب الْآدَمِيّ وَالْحَيَوَان على غَيره كمصلحة الطَّهَارَة بِالْمَاءِ (فَإِن قلت) قد وَقع فِي رِوَايَة سلم بن زرير " غير أَنا لم نسق بَعِيرًا " (قلت) هَذَا مَحْمُول على أَن الْإِبِل لم تكن محتاجة إِذْ ذَاك إِلَى السَّقْي. الثَّامِن عشر فِيهِ جَوَاز الْخلْوَة بالأجنبية عِنْد أَمن الْفِتْنَة فِي حَالَة الضَّرُورَة الشَّرْعِيَّة. التَّاسِع عشر فِيهِ جَوَاز اسْتِعْمَال أواني الْمُشْركين مَا لم يتَيَقَّن فِيهَا نَجَاسَة. الْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز أَخذ مَال النَّاس عِنْد الضَّرُورَة بِثمن إِن كَانَ لَهُ ثمن كَذَا اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم وَفِيه نظر. الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز اجْتِهَاد الصَّحَابَة بِحَضْرَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه خلاف مَشْهُور وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز تَأْخِير الْفَائِتَة عَن وَقت ذكرهَا إِذا لم يكن عَن تغافل أَو استهانة وَذَلِكَ من قَوْله " ارتحلوا " بِصِيغَة الْأَمر فَافْهَم. الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِيهِ مُرَاعَاة ذمام الْكَافِر والمحافظة بِهِ كَمَا حفظ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذِه الْمَرْأَة فِي قَومهَا وبلادها فراعى فِي قَومهَا ذمامها وَإِن كَانَت من صميمهم. الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز الْحلف من غير الِاسْتِحْلَاف. الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز الشكوى من الرعايا إِلَى الإِمَام عِنْد حُلُول أَمر شَدِيد. السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ اسْتِحْبَاب التَّعْرِيس للْمُسَافِر إِذا غَلبه النّوم. السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ مَشْرُوعِيَّة قَضَاء الْفَائِت الْوَاجِب وَأَنه لَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ. الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز الْأَخْذ للمحتاج بِرِضا الْمَطْلُوب مِنْهُ وَبِغير رِضَاهُ إِن تعين. التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز النّوم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كنوم وَاحِد منا فِي بعض الْأَوْقَات وَقد مر التَّحْقِيق فِيهِ. الثَّلَاثُونَ فِيهِ إِبَاحَة السّفر من غير أَن يعين يَوْمًا أَو شهر فَوَائِد. فِيهِ من دَلَائِل النُّبُوَّة حَيْثُ توضؤوا وَشَرِبُوا وَسقوا واغتسل الْجند مِمَّا سقط من العزالي وَبقيت المزادتان مملوءتان ببركته وعظيم برهانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانُوا أَرْبَعِينَ نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة سلم بن زرير وَإِنَّهُم ملأوا كل قربَة مَعَهم وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَظَاهر هَذِه الرِّوَايَة أَن جملَة من حضر هَذِه الْقِصَّة كَانُوا أَرْبَعِينَ وَلَا نعلم مخرجا لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخرج فِي هَذَا الْعدَد فَلَعَلَّ الركب الَّذين عجلهم بَين يَدَيْهِ لطلب المَاء وَأَنَّهُمْ وجدوا الْمَرْأَة وَأَنَّهُمْ أسقوا لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل النَّاس وَشَرِبُوا ثمَّ شرب النَّاس بعدهمْ. وَفِيه أَن جَمِيع مَا أَخَذُوهُ من المَاء مِمَّا زَاده الله وأوجده وَأَنه لم يخْتَلط فِيهِ شَيْء من مَاء تِلْكَ الْمَرْأَة فِي الْحَقِيقَة وَإِن كَانَ فِي الظَّاهِر مختلطا وَهَذَا أبدع وَأغْرب فِي المعجزة. وَفِيه دلَالَة أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أجلد الْمُسلمين وأصلبهم فِي أَمر الله تَعَالَى. (وَفِيه أسئلة) الأول أَن الِاسْتِيلَاء على الْكفَّار بِمُجَرَّدِهِ يُبِيح رق نِسَائِهِم وصبيانهم وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد دخلت الْمَرْأَة فِي الرّقّ باستيلائهم عَلَيْهَا وَكَيف وَقع إِطْلَاقهَا وتزويدها وَأجِيب بِأَنَّهَا أطلقت لمصْلحَة الاستئلاف الَّذِي جر دُخُول قَومهَا أَجْمَعِينَ فِي الْإِسْلَام وَيحْتَمل أَنَّهَا كَانَ لَهَا أَمَان قبل ذَلِك أَو كَانَت من قوم لَهُم عهد. الثَّانِي كَيفَ جوزوا التَّصَرُّف حِينَئِذٍ فِي مَالهَا وَأجِيب بِالنّظرِ إِلَى كفرها أَو لضَرُورَة الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ والضروريات تبيح الْمَحْظُورَات. الثَّالِث أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن التشاؤم وَهَهُنَا ارتحل عَن الْوَادي الَّذِي تشاءم بِهِ وَأجِيب بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يعلم حَال ذَلِك الْوَادي وَلم يكن غَيره يعلم بِهِ فَيكون خَاصّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأخذ بعض الْعلمَاء بِظَاهِر مَا وَقع مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من رحيله من ذَلِك الْوَادي أَن من انتبه من نوم عَن صَلَاة فَائت فِي سفر فَإِنَّهُ يتَحَوَّل عَن مَوْضِعه وَإِن كَانَ بواد فَليخْرجْ عَنهُ وَقيل إِنَّمَا يلْزم بذلك الْوَادي بِعَيْنِه وَقيل هُوَ خَاص بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا ذكرنَا (قَالَ أَبُو عبد الله صَبأ خرج من دين إِلَى غَيره. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة الصابئين فرقة من أهل الْكتاب يقرؤن الزبُور) . هَذَا إِلَى آخِره رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَأَرَادَ بإيراد هَذِه الإشاوة إِلَى الْفرق بَين الصابىء المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث والصابىء الْمَنْسُوب إِلَى الطَّائِفَة الَّذين بَينهم أَبُو الْعَالِيَة رفيع بن مهْرَان الرباحي أما الصابىء الَّذِي هُوَ المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث فِي قَول الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة الَّذِي يُقَال لَهُ الصابىء فَهُوَ من صبا إِلَى الشَّيْء يصبو إِذا مَال وَهُوَ غير مَهْمُوز وَكَانَت الْعَرَب تسمي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصابىء لِأَنَّهُ خرج من دين قُرَيْش إِلَى دين الْإِسْلَام ويسمون من يدْخل فِي دين الْإِسْلَام مصبو لأَنهم كَانُوا لَا يهمزون ويسمون الْمُسلمين الصباة بِغَيْر همزَة جمع صاب غير مَهْمُوز كقاض وقضاة وغاز وغزاة وَقد يُقَال