{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ويَقْدِرُ} (سبإ: 63) .
هَذَا فِي آيَة أُخْرَى وأولها: {قل إِن رَبِّي يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر} (سبإ: 63) . وَذكرهَا لِأَن فِيهَا مثل مَا فِي الْآيَة الأولى، وَهُوَ قَوْله: {يبسط الرزق لمن يَشَاء من عباده وَيقدر} (سبإ: 93) . ثمَّ فسر قَوْله: يبسط وَيقدر بقوله:
يُوَسِّعُ عَلَيْهِ ويُضَيِّقُ
قَوْله: (يُوسع) ، هُوَ معنى قَوْله: يبسط، وَقَوله: ويضيق، معنى قَوْله: وَيقدر، وَهُوَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه} (الطَّلَاق: 7) . أَي: ضَاقَ، وَيُقَال: قدر على عِيَاله قدرا مثل قتر وَقدر على الْإِنْسَان رزقه قدرا، مثل قتل، وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب إلاَّ هَذِه الآثاء الْمَذْكُورَة، وَلم يثبت هَذَا إلاَّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الله تَعَالَى: {وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيباً قَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إل هـ غَيره} (الْأَعْرَاف: 58، هود: 48، وَالْعَنْكَبُوت: 63) . الْآيَة. وَشُعَيْب: اسْم عَرَبِيّ، وَقَالَ مقَاتل: ذكره الله فِي الْقُرْآن فِي تِسْعَة مَوَاضِع، وَهُوَ شُعَيْب بن بويب بن رعول بن غيفا بن مَدين بن إِبْرَاهِيم، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: شُعَيْب بن غيفان بن بويب بن مَدين، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: شُعَيْب بن بحرون بن بويب بن مَدين، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: شُعَيْب بن ميكيل بن يشجر بن لاوي بن يَعْقُوب. وَقيل: شُعَيْب بن نويل بن رعويل بن يويب بن غيفا ابْن مَدين بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَقيل: شُعَيْب بن ضيفون بن غيفا بنبن ثَابت بن مَدين بن إِبْرَاهِيم، وَيُقَال: جدته أَو أمه بنت لوط، وَكَانَ مِمَّن آمن بإبراهيم وَهَاجَر مَعَه وَدخل دمشق. قَوْله: {وَإِلَى مَدين} (الْأَعْرَاف: 58، هود: 48، وَالْعَنْكَبُوت: 63) . أَي: وَإِلَى أهل مَدين وَكَانُوا قوما عربا يقطعون الطَّرِيق ويخيفون الْمَارَّة ويبخسون المكاييل والموازين، وَكَانُوا مكاسين لَا يدعونَ شَيْئا إلاَّ مكسوه وأرسله الله إِلَيْهِم فَقَالَ: {يَا قوم اعبدوا الله} (الْأَعْرَاف: 58، هود: 48، وَالْعَنْكَبُوت: 63) . أَي: وحدوه، وَقد قصّ الله قصَّته فِي الْقُرْآن، وَقَالَ عُلَمَاء السّير: أَقَامَ شُعَيْب مُدَّة بعد هَلَاك قومه وَوصل إِلَيْهِ مُوسَى وزوجه بنته. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: ثمَّ خرج إِلَى مَكَّة وَمَات بهَا وعمره مائَة وَأَرْبَعُونَ سنة وَدفن فِي الْمَسْجِد الْحَرَام حِيَال الْحجر الْأسود. وَقَالَ سبطه: وَعند طبرية بالسَّاحل قَرْيَة يُقَال لَهَا: حطين فِيهَا قبر يُقَال أَنه قبر شُعَيْب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ أَبُو المفاخر، إِبْرَاهِيم بن جِبْرِيل فِي (تَارِيخه) إِن شعيباً كَانَ عمره سِتّمائَة سنة وَخمسين سنة.
إِلَى أهْلِ مَدْيَنِ لأِنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ ومِثلُهُ {وَاسْألِ القَرْيَةِ} (يُوسُف: 28) . {وَاسألِ العِيرَ} يَعْنِي أهْلَ القَرْيَةِ وأهْلَ العِيرِ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن معنى قَوْله: (إِلَى مَدين) إِلَى أهل مَدين، لِأَن مَدين بلد وَهِي مَدِينَة شُعَيْب على بَحر القلزم محاذية لتبوك على نَحْو سِتّ مراحل مِنْهَا، وَبهَا الْبِئْر الَّتِي استسقى مِنْهَا مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لسائمة شُعَيْب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهِي الْآن خراب، وَأَشَارَ بقوله: {واسأل الْقرْيَة} (يُوسُف: 28) . إِلَى أَن نَظِير قَوْله تَعَالَى: {وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيباً} (يُوسُف: 28) . هُوَ قَوْله: {واسأل الْقرْيَة} (يُوسُف: 28) . فِي أَن الْمُضَاف فيهمَا مَحْذُوف وَهُوَ لفظ: أهل، وَكَذَلِكَ قَوْله: واسأل العير، أَي: أهل العير، لِأَن الْقرْيَة وَالْعير لَا يَصح السُّؤَال مِنْهُمَا.
وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيَّاً لَمْ تَلْتَفِتُوا إلَيْهِ ويُقالُ إذَا لَمْ تَقْضِ حاجَتَهُ ظَهَرْتَ حاجَتِي وجَعَلَتْنِي ظِهْرِيَّاً قَالَ الظِّهْرِيُّ أنْ تأخُذَ معَكَ دَابَّةً أوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ
أَشَارَ بقوله: {وراءكم ظهريا} (هود: 29) . إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {واتخذتموه وراءكم ظهرياً} (هود: 29) . ثمَّ فسره بقوله: لم تلتفتوا إِلَيْهِ، والظهري مَنْسُوب إِلَى الظّهْر، وَكسر الظَّاء من تغييرات النّسَب كَمَا تَقول فِي أَمْسَى، أَمْسَى بِكَسْر الْهمزَة. قَوْله: (وَيُقَال: إِذا لم تقض حَاجته) ، يَعْنِي: إِذا لم تقض حَاجَة من سَأَلَك بهَا تَقول: ظَهرت حَاجَتي، أَي: جَعلتهَا وَرَاء ظهرك، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَقَوْلهمْ: ظهر فلَان بحاجتي إِذا استخف بهَا. قَوْله: (وَجَعَلَنِي ظهرياً) ، يَعْنِي: يُقَال أَيْضا إِذا لم يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا قضى حَاجته: جَعَلتني ظهرياً، أَي: جَعَلتني وَرَاء ظهرك. قَوْله: (قَالَ الظهري) الظَّاهِر أَن الضَّمِير فِي: قَالَ، يرجع إِلَى البُخَارِيّ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الظهري بِصُورَة النِّسْبَة يُقَال أَيْضا لمن يَأْخُذ مَعَه دَابَّة أَو وعَاء يستظهر بِهِ، أَي: يتقوى بِهِ.